فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالَ تَزۡرَعُونَ سَبۡعَ سِنِينَ دَأَبٗا فَمَا حَصَدتُّمۡ فَذَرُوهُ فِي سُنۢبُلِهِۦٓ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تَأۡكُلُونَ} (47)

{ قال تزرعون } مستأنفة كغيرها مما يرد هذا المورد { سبع سنين دأبا } أي متوالية متتابعة ، قرئ بفتح الهمزة وسكونها وهما لغتان في مصدر دأب في العمل إذا جد فيه وتعب ، قال الفراء : حرك لأن فيه حرفا من حروف الحلق : وكذلك كل حرف فتح أوله وسكن ثانيه فتثقيله جائز في كلمات معروفة .

وأصل معنى الدأب التعب ويكنى به عن العادة المستمرة لأنها تنشأ عن مدوامة العمل اللازم له التعب وانتصابه بفعل مقدر أي تدأبون دأبا قاله سيبويه ، أو على أنه مصدر واقع موقع الحال فيكون فيه الأوجه المعروفة إما المبالغة وإما وقوعه موقع الصفة وإما على حذف مضاف أي دائبين أو ذوي دأب أو جعلهم نفس الدأب مبالغة ، فعبر يوسف عليه السلام السبع البقرات السمان والسنبلات الخضر بسبع سنين فيها جدب وأول ابتلاع العجاف السمان بأكل ما جمع في السنين المخصبة في السنين المجدبة واستدل بالسبع الخضر على ما ذكره في التعبير من قوله :

{ فما حصدتم } في كل سنة من السنين المخصبة { فذروه } أي ذلك المحصود { في سنبلة } وقصبه ليكون القصب علفا للدواب ولا تفصلوه عنها لئلا يأكله السوس كما هو شأن غلال مصر ونواحيها ، قيل وهذه نصيحة منه لهم خارجة عن التعبير وما شرطية أو موصولة وسنبل فنعل بضم الفاء والعين الواحدة سنبلة يقال سنبل الزرع أي أخرج سنبله .

{ إلا قليلا مما تأكلون } في هذه السنين المخصبة فإنه لا بد لكم من فصله عن سنبله وإخراجه عنها ، واقتصر على استثناء المأكول دون ما يحتاجون إليه من البذر الذي يبذرونه في أموالهم لأنه قد علم من قوله تزرعون .