مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{قَالَ تَزۡرَعُونَ سَبۡعَ سِنِينَ دَأَبٗا فَمَا حَصَدتُّمۡ فَذَرُوهُ فِي سُنۢبُلِهِۦٓ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تَأۡكُلُونَ} (47)

قوله عز وجل { قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون }

اعلم أنه عليه السلام ذكر تعبير تلك الرؤيا فقال : { تزرعون } وهو خبر بمعنى الأمر ، كقوله : { والمطلقات يتربصن } . { والوالدات يرضعن } وإنما يخرج الخبر بمعنى الأمر ، ويخرج الأمر في صورة الخير للمبالغة في الإيجاب ، فيجعل كأنه وجد فهو يخبر عنه والدليل على كونه في معنى الأمر قوله : { فذروه في سنبله } وقوله : { دأبا } قال أهل اللغة : الدأب استمرار الشيء على حالة واحدة ، وهو دائب بفعل كذا إذا استمر في فعله ، وقد دأب يدأب دأبا ودأبا أي زراعة متوالية في هذه السنين . قال أبو علي الفارسي : الأكثرون في دأب الإسكان ولعل الفتحة لغة ، فيكون كشمع وشمع ، ونهر ونهر . قال الزجاج : وانتصب دأبا على معنى تدأبون دأبا . وقيل : إنه مصدر وضع في موضع الحال ، وتقديره تزرعون دائبين فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون كل ما أردتم أكله فدوسوه ودعوا الباقي في سنبله حتى لا يفسد ولا يقع السوس فيه ، لأن إبقاء الحبة في سنبله يوجب بقاءها على الصلاح