البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالَ تَزۡرَعُونَ سَبۡعَ سِنِينَ دَأَبٗا فَمَا حَصَدتُّمۡ فَذَرُوهُ فِي سُنۢبُلِهِۦٓ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّا تَأۡكُلُونَ} (47)

قال : تزرعون إلى آخره ، تضمن هذا الكلام من يوسف ثلاثة أنواع من القول : أحدها : تعبير بالمعنى لا باللفظ .

والثاني : عرض رأي وأمر به ، وهو قوله : فذروه في سنبله .

والثالث : الإعلام بالغيب في أمر العام الثامن ، قاله قتادة .

قال ابن عطية : ويحتمل هذا أن لا يكون غيباً ، بل علم العبارة أعطى انقطاع الخوف بعد سبع ، ومعلوم أنه الأخصب انتهى .

والظاهر أن قوله : تزرعون سبع سنين دأباً خبر ، أخبر أنهم تتوالى لهم هذه السنون لا ينقطع فيها زرعهم للري الذي يوجد .

وقال الزمخشري : تزرعون خبر في معنى الأمر كقوله : { تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون } وإنما يخرج الأمر في صورة الخبر للمبالغة في إيجاب إنجاز المأمور به ، فيجعل كأنه وجد فهو يخبر عنه .

والدليل على كونه في معنى الأمن قوله : فذروه في سنبله انتهى .

ولا يدل الأمر بتركه في سنبله على أنّ تزرعون في معنى ازرعوا ، بل تزرعون إخبار غيب بما يكون منهم من توالي الزرع سبع سنين .

وأما قوله : فذروه فهو أمر إشارة بما ينبغي أن يفعلوه .

ومعنى دأباً : ملازمة ، كعادتكم في المزارعة .

وقرأ حفص : دأباً بفتح الهمزة ، والجمهور بإسكانها ، وهما مصدران لدأب ، وانتصابه بفعل محذوف من لفظه أي : تدأبون داباً ، فهو منصوب على المصدر .

وعند المبرد بتزرعون بمعنى تدأبون ، وهي عنده مثل قعد القرفصاء .

وقيل : مصدر في موضع الحال أي : دائبين ، أو ذوي دأب حالاً من ضمير تزرعون .

وما في قوله : فما حصدتم شرطية أو موصولة ، بذروه في سنبله إشارة برأي نافع بحسب طعام مصر وحنطتها التي لا تبقى عامين بوجه إلا بحيلة إبقائها في السنبل ، فإذا بقيت فيها انحفظت ، والمعنى : اتركوا الزرع في السنبل إلا ما لا غنى عنه للأكل ، فيجتمع الطعام ويتركب ويؤكل الأقدم فالأقدم ، فإذا جاءت السنون الجدبة تقوت الأقدم فالأقدم من ذلك المدخر .