روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَيَوۡمَ نَبۡعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٖ شَهِيدٗا ثُمَّ لَا يُؤۡذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلَا هُمۡ يُسۡتَعۡتَبُونَ} (84)

{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلّ أُمَّةٍ } جماعة من الناس { شَهِيداً } يثشهد لهم بالإيمان والطاعة وعليهم بالكفر والعصيان ، والمراد به كما روى ابن المنذر . وغيره عن قتادة نبي تلك الأمة { ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي في الاعتذار كما قال سبحانه : { هذا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ * وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } [ المرسلات : 35 ، 36 ] والظاهر أنهم يستأذنون في ذلك فلا يؤذن لهم ، ويحتمل أنهم لا استئذان منهم ولاإذن إلا لا حجة لهم حتى تذكر ولا عذر حتى يعتذر ، وقال أبو مسلم : المعنى لا يسمع كلامهم بعد شهادة الشهداء ولا يلتفت إليه كما في قول عدي بن زيد :

في سماع يأذن الشيخ له . . . وحديث مثل ماذي مشار

وقيل : لا يؤذن لهم في الرجوع إلى دار الدنيا ، والأول مروي عن ابن عباس وأبي العالية وثم للدلالة على أن ابتلاءهم بعدم الإذن المنبىء عن الاقناط الكلي وذلك عندما يقال لهم : { اخسئوا فيها ولا تكلمون } [ المؤمنون : 108 ] أشد من ابتلائهم بشهادة الأنبياء عليهم السلام فهي للتراخي الرتبي { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } أي لا يطلب منهم أن يزيلوا عتب ربهم أي غضبه بالتوبة والعمل الصالح إذ الآخرة دار الجزاء لا دار العمل والرجوع إلى الدنيا مما لا يكون ، وقول الزمخشري : أي لا يقال لهم ارضوا ربكم تفسير باللازم ، وقيل : المعنى ولا يطلب رضاهم في أنفسهم بالتلطف بهم من استعتبه كأعتبه إذا أعطاه العتبي وهي الرضا وأياً ما كان فالمراد استمرار النفي لا نفي الاستمرار ، وانتصاب الظرف على ما قال الحوفي . وغيره بمحذوف تقديره اذكر وقدره بعضهم خوفهم وهو في ذلك مفعول به ، وقيل : وهو نصب على الظرفية بمحذوف أي يوم نبعث يحيث بهم ما يحيق ، وقال الطبري : هو معطوف على ظرف محذوف العالم فيه ينكرونها أي ثم ينكرونها اليوم ويوم نبعث من كل أمة شهيداً فيشهد عليهم ويكذبهم وليس بشيء وتجري هذه الاحتمالات في قوله تعالى : { وَإِذَا رَأى الذين ظَلَمُواْ العذاب } .

( هذا ومن باب الإشارة ) :{ وَيَوْمَ نَبْعَث ُمن كُلّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } في الاعتذار عن التخلف عن دعوته إذ لا عذر لهم { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } [ النحل : 84 ] لأنهم قد حق عليهم القول بمقتضى استعدادهم نسأل الله تعالى العفو والعافية