الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَيَوۡمَ نَبۡعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٖ شَهِيدٗا ثُمَّ لَا يُؤۡذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلَا هُمۡ يُسۡتَعۡتَبُونَ} (84)

قوله تعالى : { وَيَوْمَ نَبْعَثُ } ، فيه أوجهٌ ، أحدُها : أنه منصوبٌ بإضمارِ اذكر . الثاني : بإضمارِ " خَوِّفْهم " . الثالث : تقديره : ويوم نَبْعَثُُ وقعوا في أمرٍ عظيم . الرابع : أنه معطوفٌ على ظرفٍ محذوف ، أي : ينكرونها اليومَ ويوم نَبْعَثُ .

/قوله : { ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ } ، قال الزمخشري : " فإن قلتَ : ما معنى " ثم " هذه ؟ قلت : معناه : أنهم يُمَنَّوْن بعد شهادةِ الأنبياء بما هو أَطَمُّ منه ، وهو أنهم يُمْنَعُون الكلام ، فلا يُؤْذَنُ لهم في إلقاءِ مَعْذرةٍ ولا إدلاءٍ بحجةٍ " . انتهى . ومفعولُ الإِذنِ محذوفٌ ، أي : لا يُؤْذَنُ لهم في الكلامِ ، كما قاله الزمخشري ، أو : في الرجوعِ إلى الدنيا .

قوله : { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } ، أي : لا تُزال عُتْباهم ، وهي ما يُعْتَبُون عليها ويُلامون . يقال : اسْتَعْتَبْتُ فلاناً ، بمعنى : أَعْتَبْتُه ، أي : أزلت عُتْباه ، واستفعل ، بمعنى : أَفْعل ، غيرُ مُسْتَنْكَرٍ . قالوا : اسْتَدْنَيْتُ فلاناً ، وأَدْنَيْتُه ، بمعنىً واحد . وقيل : السين على بابها من الطلب ، ومعناه : أنهم لا يُسْأَلون أن يَرْجِعُوا عَمَّا كانوا عليه في الدنيا ، فهذا استعتابٌ معناه طَلَبُ عُتْباهم . وقال الزمخشري : " ولا هم يُسْتَرْضَوْن أي : لا يُقال لهم : أَرْضُوا ربَّكم ؛ لأن الآخرةَ ليست بدارِ عملٍ " . وسيأتي لهذا مزيدُ بيانٍ إن شاء الله في سورة حم السجدة ؛ لأنه أَلْيَقُ به لاختلافِ القرَّاء فيه .