فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَيَوۡمَ نَبۡعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٖ شَهِيدٗا ثُمَّ لَا يُؤۡذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلَا هُمۡ يُسۡتَعۡتَبُونَ} (84)

{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ( 84 ) } .

ولما بين سبحانه من حال هؤلاء أنهم عرفوا نعمة الله ثم أنكروها وإن أكثرهم كافرون ، أتبعه بأصناف وعيد يوم القيامة فقال : { وَ } اذكر { يَوْمَ نَبْعَثُ } ، أي : نحيي ونخرج ، { مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا } ، أو المعنى : يوم نبعث وقعوا فيما وقعوا فيه ، وشهيد كل أمة نبيها ، يشهد لهم بالإيمان والتصديق ، وعليهم بالكفر والجحود والتكذيب .

قال ابن عباس : شهيدها نبيها ، على أنه قد بلغ رسالات ربه ، قال الله : { وجئنا بك على هؤلاء شهيدا } ، قال : ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا قرأ هذه الآية فاضت عيناه ، وذلك اليوم هو يوم القيامة .

{ ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } في الاعتذار ، إذ لا حجة لهم ولا عذر ، كقوله سبحانه : { ولا يؤذن لهم فيعتذرون } ، أو في كثرة الكلام ، أو في الرجوع إلى دار الدنيا وإلى التكليف ، أو في حالة شهادة الشهود ، بل يسكت أهل الجمع كلهم ليشهدوا الشهود ، أو لا يؤذن لهم في معارضة الشهود بإلقاء معذرة أو إدلاء بحجة بل يشهدون عليهم ويقرونهم على ذلك ، وإيراد { ثم } ها هنا ؛ للدلالة على أن ابتلائهم بالمنع عن الاعتذار المنبئ عن الإقناط الكلي أشد من ابتلائهم بشهادة الأنبياء .

{ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } ، أي : لا يطلب منهم العتبى ، أي : الرجوع إلى ما يرضي الله من العبادات ؛ لأن العتاب إنما يطلب لأجل العود إلى الرضاء ، فإذا كان على عزم السخط فلا فائدة في العتاب . والمعنى : أنهم لا يسترضون ، أي : لا يكلفون أن يرضوا ربهم ؛ لأن الآخرة ليست بدار عمل ولا تكليف ، ولا يتركون إلى رجوع الدنيا فيتوبون .

وأصل الكلمة من العتب ، وهو الموجدة ، يقال عتب عليه يعتب إذا وجد عليه ، وبابه ضرب ونصر ، فإذا أفاض عليه ما عاتب فيه عليه ، قيل عاتبة فإذا رجع إلى مسرته قبل أعتبه ، والاسم العتبى ، وهو رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضي العاتب ، قاله الهروي . فالاستعتاب التعرض لطلب الرضاء ، وهذا باب منسد على الكفار في الآخرة .

وفي الخطيب لا تزال عتابهم ، وهي ما يعتبون عليها ويلامون ؛ يقال : استعتبت فلانا ، أي : أزلت عتابه ، انتهى . واستفعل ، بمعنى : أفعل غير مستنكر .

قال الخليل : العتاب مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموجدة ، وعاتبه معاتبة وعتابا ، وأعتبه : سره بعدما ساء ، واستعتب وأعتب بمعنى ، واستعتب أيضا : طلب أن يعتب ، أي : استرضاه فأرضاه .