السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَيَوۡمَ نَبۡعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٖ شَهِيدٗا ثُمَّ لَا يُؤۡذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلَا هُمۡ يُسۡتَعۡتَبُونَ} (84)

ولما بين تعالى من حال القوم أنهم عرفوا نعمة الله ثم أنكروها ، وذكر أيضاً من حالهم أن أكثرهم كافرون ، أتبعه بالوعيد فذكر حال يوم القيامة بقوله تعالى : { ويوم } أي : وخوّفهم يوم أو واذكر لهم يوم { نبعث } بعد البعث { من كل أمّة شهيداً } ، هو نبيها ، كما قال تعالى : { فكيف إذا جئنا من كل أمّة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً } [ النساء ، 41 ] ، يشهد نبيها لها وعليها يوم القيامة ؛ ليحكم تعالى بقوله إجراء للأمر على ما يتعارفون ، وإن كان تعالى غنياً عن شهيد . وقوله تعالى : { ثم لا يؤذن للذين كفروا } ، فيه وجوه : أحدها : لا يؤذن لهم في الاعتذار كقوله تعالى : { ولا يؤذن لهم فيعتذرون } [ المرسلات ، 36 ] . ثانيها : لا يؤذن لهم في كثرة الكلام . ثالثها : لا يؤذن لهم في الرجوع إلى دار الدنيا وإلى التكليف . رابعها : لا يؤذن لهم في حال شهادة الشهود بل يسكت أهل الجمع كلهم ليشهد الشهود . فإن قيل : ما معنى " ثم " هاهنا ؟ أجيب : بأنّ معناها أنهم يمتحنون ، أي : يبتلون بغير شهادة الأنبياء عليهم السلام بما هو أطمّ منها ، وأنهم يمنعون الكلام ، فلا يؤذن لهم في إلقاء معذرة ولا إدلاء بحجة ، { ولا هم يستعتبون } أي : لا تزال عتباهم ، وهي ما يعتبون عليها ويلامون ، يقال : استعتبت فلاناً بمعنى اعتبته ، أي : أزلت عتباه .