اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَيَوۡمَ نَبۡعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٖ شَهِيدٗا ثُمَّ لَا يُؤۡذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلَا هُمۡ يُسۡتَعۡتَبُونَ} (84)

قوله : { وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً } الآية ، لما بيَّن أنهم عرفوا نعمة الله ثمَّ أنكروها ، وذكر أن أكثرهم كافرون أتبعه بذكر الوعيد ؛ فذكر حال يوم القيامة .

قوله : { وَيَوْمَ نَبْعَثُ } ، فيه أوجه :

أحدها : منصوب بإضمار " اذْكُرْ " .

الثاني : بإضمار " خوفهم " .

الثالث : تقديره : ويوم نبعث ، وقعوا في أمر عظيم .

الرابع : أنه معطوف على ظرف محذوف ، أي : ينكرونها اليوم ويوم نبعث .

والمراد بأولئك الشهداء : الأنبياء - صلوات الله عليهم ؛ كما قال - سبحانه وتعالى- : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شَهِيداً } [ النساء : 41 ] .

قوله : { ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } قال الزمخشري : " فإن قلت : ما معنى " ثُمَّ " هذه ؟ قلت : معناه : أنهم يُمْنَعُونَ بعد شهادة الأنبياء عليه السلام بما هو أطمّ منه ، وهو أنهم يمنعون الكلام ، فلا يؤذن لهم في إلقاء معذرة ولا [ إدلاء ]{[20018]} حجة : . انتهى .

ومفعول الإذن محذوف ، أي : لا يؤذن لهم في الكلام ؛ كما قال - تعالى- : { وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } [ المرسلات : 36 ] أي : في الرُّجوع إلى الدنيا .

وقيل : لا يؤذنُ لهم في الكلام أصلاً ، { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } ، أي : لا تزال عتابهم ، وهي ما يعتبون عليها ويلامون ؛ يقال : اسْتَعْتَبْتُ فلاناً ، بمعنى : أعْتَبْتُه ، أي : أزلت عُتْبَاه ، و " اسْتَفْعَل " بمعنى : " أفْعَلَ " غير مستنكرٍ ، قالوا : اسْتدنَيتُ فلاناً وأدْنَيتهُ بمعنًى واحد .

وقيل : السِّين على بابها من الطَّلب ، ومعناه : أنهم لا يسألون أن يرجعوا عما كانوا عليه في الدُّنيا ، فهذا استعتاب معناه طلب عتابهم .

وقال الزمخشري{[20019]} " ولا هم يسترضون ، أي : لا يقال لهم : أرضوا ربكم ؛ لأن الآخرة ليست بدار عمل " . وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله - تعالى - في سورة حم السجدة ؛ لأنه أليق لاختلاف القراء فيه . ثم إنَّه - تعالى - أكَّد هذا الوعيد فقال :


[20018]:في ب: إثبات.
[20019]:ينظر: الكشاف 2/626.