فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَيَوۡمَ نَبۡعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٖ شَهِيدٗا ثُمَّ لَا يُؤۡذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلَا هُمۡ يُسۡتَعۡتَبُونَ} (84)

لما بين سبحانه من حال هؤلاء أنهم عرفوا نعمة الله ثم أنكروها ، وأن أكثرهم كافرون ، أتبعه بأصناف وعيد يوم القيامة ، فقال : { وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلّ أُمَّةٍ شَهِيدًا } أي : واذكر يوم نبعث ، أو يوم نبعث وقعوا فيما وقعوا فيه ، وشهيد كل أمة نبيها ، يشهد لهم بالإيمان والتصديق ، وعليهم بالكفر والجحود والتكذيب { ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا } أي : في الاعتذار ، إذ لا حجة لهم ولا عذر ، كقوله سبحانه : { وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } [ المرسلات : 36 ] أو في كثرة الكلام ، أو في الرجوع إلى دار الدنيا ، وإيراد «ثم » ها هنا للدلالة على أن ابتلاءهم بالمنع عن الاعتذار المنبئ عن الإقناط الكلي أشد من ابتلائهم بشهادة الأنبياء { وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ } لأن العتاب إنما يطلب لأجل العود إلى الرضا ، فإذا كان على عزم السخط ، فلا فائدة في العتاب . والمعنى : أنهم لا يسترضون أي : لا يكلفون أن يرضوا ربهم ، لأن الآخرة ليست بدار تكليف ، ولا يتركون إلى رجوع الدنيا فيتوبون ، وأصل الكلمة من العتب وهو الموجد ، يقال : عتب عليه يعتب إذا وجد عليه ، فإذا أفاض عليه ما عتب فيه عليه قيل : عاتبه ، فإذا رجع إلى مسرّته قيل : أعتبه ، والاسم العتبى ، وهو رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضي العاتب قاله الهروي ، ومنه قول النابغة :

فإن كنت مظلوماً فعبداً ظلمته *** وإن كنت ذا عتبى فمثلك يعتب

/خ90