{ رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ الناس } المكلفين وغيرهم { لِيَوْمِ } أي لحساب يوم ، أو لجزاء يوم فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه تهويلاً لما يقع فيه ، وقيل : اللام بمعنى إلى أي جامعهم في القبول إلى يوم { لاَ رَيْبَ فيه } أي لا ينبغي أن يرتاب في وقوعه ووقوع ما فيه من الحشر والحساب والجزاء ، وقيل : الضمير المجرور للحكم أي لا ريب في هذا الحكم ، فالجملة على الأول صفة ليوم ، وعلى الثاني لتأكيد الحكم ومقصودهم من هذا كما قال غير واحد عرض كمال افتقارهم إلى الرحمة وأنها المقصد الأسنى عندهم ، والتأكيد لإظهار ما هم عليه من كمال الطمأنينة وقوة اليقين بأحوال الآخرة لمزيد الرغبة في استنزال طائر الإجابة ، وقرئ { جَامِعُ الناس } بالتنوين { إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الميعاد } تعليل لمضمون الجملة المؤكدة أو لانتفاء الريب ، وقيل : تأكيد بعد تأكيد للحكم السابق وإظهار الاسم الجليل مع الالتفات للإشارة إلى تعظيم الموعود والإجلال الناشئ من ذكر اليوم المهيب الهائل ، وللإشعار بعلة الحكم فإن الألوهية منافية للإخلاف ؛ وهذا بخلاف ما في آخرة السورة حيث أتى بلفظ الخطاب فيه لما أن مقامه مقام طلب الإنعام ، وقال الكرخي : الفرق بينهما أن ما هنا متصل بما قبله اتصالاً لفظياً فقط ، وما في الآخرة متصل اتصالاً معنوياً ولفظياً لتقدم لفظ الوعد ، وجوز أن تكون هذه الجملة من كلامه تعالى لتقرير قول الراسخين لا من كلام الراسخين فلا التفات حينئذ ، قال السفاقسي : وهو الظاهر و ( الميعاد ) مصدر ميمي بمعنى الحدث لا بمعنى الزمان والمكان وهو اللائق بمفعولية يخلف وياؤه منقلبة عن واو لانكسار ما قبلها ، واستدل بها الوعيدية على وجوب العقاب للعاصي عليه تعالى وإلا يلزم الخلف ، وأجيب عنه بأن وعيد الفساق مشروط بعدم العفو بدلائل منفصلة كما هو مشروط بعدم التوبة وفاقاً ؛ وقيل : هو إنشاء فلا يلزم محذور في تخلفه ، وقيل : ما في الآية ليس محلاً للنزاع لأن الميعاد فيه مصدر بمعنى الوعد ولا يلزم من عدم خلف الوعد عدم خلف الوعيد لأن الأول مقتضى الكرم كما قال :
وإني إذا أوعدته أو وعدته *** لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
واعترض بأن الوعيد الذي هو محل النزاع داخل تحت الوعد بدليل قوله تعالى : { قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّا } [ الأعراف : 44 ] وأجيب بأنا لا نسلم الدخول والآية من باب التهكم فهي على حد { فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [ التوبة : 34 ] واعترض أيضاً بأن كون الخلف في الإيعاد مقتضى الكرم لا يجوز الخلف على الله تعالى لأنه يلزم حينئذ صحة أن يسمى الله تعالى مكذب نفسه وهو مما لا يقدم عليه أحد من المسلمين ، وأجيب عنه بما تركه أصوب من ذكره فالحق الرجوع إلى الجواب الأول .
( ومن باب الإشارة ) :{ رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ الناس } على اختلاف مراتبهم { لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فيه } وهو يوم الجمع الذي هو الوصول إلى مقام الوحدة عند كشف الغطا وطلوع شمس العيان { إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الميعاد } [ آل عمران : 9 ] لتظهر صفاته الجمالية والجلالية ولذلك خلق الخلق وتجلى للأعيان فأظهرها كيف شاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.