روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{هَٰذَا فَلۡيَذُوقُوهُ حَمِيمٞ وَغَسَّاقٞ} (57)

{ هذا } خبر مبتدأ محذوف أي العذاب هذا ، وقوله تعالى : { فَلْيَذُوقُوهُ } جملة مرتبة على الجملة قبلها فهي بمنزلة جزاء شرط محذوف ، وقوله تعالى : { حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ } خبر مبتدأ محذوف أي هو حميم وغساق وذا قد يشاربه للمتعدد أو مبتدأ محذوف الخبر أي منه حميم ومنه غساق كما في

قوله : حتى إذا ما أضاء الصبح في غلس *** وغودر البقل ملوى ومحصود

أي منه ملوى ومنه محصود أو { هذا } مبتدأ خبره { حَمِيمٍ } وجملة { فليذوقوه } معترضة كقولك زيد فافهم رجل صالح أو هذا مبتدأ خبره { هذا فَلْيَذُوقُوهُ } على مذهب الأخفش في إجازته زيد فاضربه مستدلاً بقوله :

وقائلة خولان فانكح فتاتهم ***

أو { هذا } في محل نصب بفعل مضمر يفسره { فَلْيَذُوقُوهُ } أي ليذوقوا هذا فليذوقوه ، ولعلك تختار القول بأن { هذا } مبتدأ وحميم خبره وما في البين اعتراض وقد قدمه في الكشاف والفاء تفسيرية تعقيبية وتشعر بأن لهم إذاقة بعد إذاقة ، وفي حميم وغساق على هذين الوجهين الاحتمالان المذكوران أولاً والحميم الماء الشديد الحرارة .

والغساق بالتشديد كما قرأ به ابن أبي اسحاق . وقتادة . وابن وثاب . وطلحة . وحمزة . والكسائي . وحفص والفضل . وابن سعدان . وهارون عن أبي عمرو ، وبالتخفيف كما قرأ به باقي السبعة اسم لما يجري من صديد أهل النار كما روي عن عطاء . وقتادة . وابن زيد ، وعن السدى ما يسيل من دموعهم . وأخرج ابن جرير عن كعب أنه عين في جهنم تسيل إليها حمة كل ذي حمة من حية وعقرب وغيرهما يغمس فيها الكافر فيتساقط جلده ولحمه وأخرج ابن جرير . وابن المنذر عن ابن عباس أنه الزمهرير ، وقيل : هو مشدداً ومخففاً وصف من غسق كضرب وسمع بمعنى سال يقال غسقت العين إذا سال دمعها فيكون على ما في البحر صفة حذف موصوفها أي ومذوق غساق ويراد به سائل من جلود أهل النار مثلا ، والوصيفة في المشدد أظهر لأن فعالا بالتشديد قليل في الأسماء ، ومنه الغياد ذكر البوم والخطار دهن يتخذ من الزيت والعقار ما يتداوي به من النبات ، ومن الغريب ما قاله الجواليقي . والواسطي أن الغساق هو البارد المنتن بلسان الترك والحق أنه عربي نعم النتونة وصف له في الواقع وليست مأخوذة في المفهوم ، فقد أخرج أحمد . والترمذي . وابن حبان . وجماعة وصححه الحاكم عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ولو أن دلو من غساق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا » وقيل الغساق عذاب لا يعلمه إلا الله عز وجل ويبعده هذا الخبر .