معاني القرآن للفراء - الفراء  
{هَٰذَا فَلۡيَذُوقُوهُ حَمِيمٞ وَغَسَّاقٞ} (57)

وقوله عزّ وجل : { فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ } : رفعت الحميم والغسَّاق بهذا مقدّما ومؤخراً . والمعْنَى هذا حَمِيم وغسَّاق فليذوقوه . وإن شئت جعلته مستأنفاً ، وجعلت الكلام قبله مكتفِياً ؛ كأنك قلت : هذا فليذوقوه ، ثم قلت : منه حميم ومنه غسَّاق كقول الشاعر :

حَتّى إذا ما أضَاء الصُّبحُ في غَلَسٍ *** وغودر البقلُ مَلْوِيّ ومحصودُ

ويكون ( هذا ) في موضع رفعٍ ، وموضع نصبٍ . فمن نصب أَضمر قبلها ناصِباً كقول الشاعر :

زيادتَنا نُعمان لا تَحْرِمَنَّها *** تَقِ اللهَ فينا والكتابَ الذي تتلو

ومنْ رفع رفع بالهاء التي في قوله : { فَلْيَذُوقُوهُ } كما تقول في الكلام : الليلَ فبادرُوه واللَّيْلُ .

والغساق تشدّد سينُه وتخفّف شدّدها يحيى بن وثّاب وعامّة أصحاب عبد الله ، وخفّفها الناس بَعْدُ . وذكروا أنّ الغسّاق بارد يُحرق كإحراق الحميم . ويقال إنه ما يَغْسِق ويسيل من صَديدهم وجلودهم .