اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{هَٰذَا فَلۡيَذُوقُوهُ حَمِيمٞ وَغَسَّاقٞ} (57)

قوله : { هذا فَلْيَذُوقُوهُ } في هذا أوجه :

أحدها : أن يكون مبتدأ وخبره : «حميمٌ وغَسَّاقٌ » . وقد تقدم أن اسم الإشارة يكتفي بواحدة في المثنى كقوله : { عَوَانٌ بَيْنَ ذلك } [ البقرة : 68 ] أو يكون المعنى : هذا جامع بين الوصفين ويكون قوله : { فَلْيَذُوقُوهُ } جملة اعتراضية .

الثاني : أن يكون «هذا » منصوباً بمقدر على الاشتغال أي لِيَذُوقُوا هذا ، وشبهه الزمخشري بقوله تعالى : { وَإِيَّايَ فارهبون } [ البقرة : 40 ] يعني على الاشتغال والكلام على مثل هذه الفاء قد تقدم . و «حمِيمٌ » على هذا خبر مبتدأ مضمر ، أو مبتدأ وخبره مضمر أي مِنْهُ حميمٌ ومنهُ غسَّاقٌ كقوله :

حَتَّى إذَا مَا أَضَاءَ الْبَرْقُ فِي غَلَسٍ*** وَغُودِرَ البَقْلُ مَلْوِيٌّ ومَحْصُودُ

أي منه ملويٌّ ومنه محصود .

الثالث : أن يكون «هذا » مبتدأ والخبر محذوف أي هذا كَمَا ذُكِرَ أو هذا للطاغين .

الرابع : أنه خبر مبتدأ مضمر أي الأمر هذا . ثم استأنف أمراً فقال «فَلْيَذُوقُوهُ » .

الخامس : أن يكون مبتدأ خبره فليذوقوه ، وهو رأي الأخفش . ومنه :

وَقَائِلَةٍ خَوْلاَنُ فَانْكِحْ فَتَاتَهُمْ*** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وتقدم تحقيق هذا عند قوله : { والسارق والسارقة فاقطعوا } [ المائدة : 38 ] . وقرأ الأَخَوانِ وحفصٌ غَسَّاق بتشديد السين هنا وفي { عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ } [ النبأ : 1 ] وخَفَّفَهُ الباقون فيهما . فأما المثقل فهو صفة كالجّبَّار والضَّرَاب مثال مبالغةٍ وذلك أن «فَعَّالاً » في الصفات أغلب منه في الاسم . ومِنْ وُرُودِهِ في الأسماء الكلاَّء والحَبَّان والفَيًَّاد لذَكَر البوم والعَقَّار والخَطَّار . وأما المخفف فهو اسم لا صفة لأن فَعَالاً بالتخفيف في الأسماء كالعَذَاب والنَّكَال أغلب منه في الصفات على أنَّ منْهُمْ من جعلَهُ صفةً بمعنى «ذو كذا » أي ذِي غَسَق ، وقال أبو البقاء أو يكون «فَعَّال » بمعنى فَاعِلٍ . قال شهاب الدين : وهذا غير معروفٍ .

فصل :

قيل : هذا على التقديم والتأخير . والتقدير : هذا حميمٌ وغَسَّاق فَليَذُوقُوهُ ، وقيل : التقدير : جهنم يصلونها فبئس المهاد هذا فليذوقوه ثم يبتدئ فيقول : حَمِيمٌ وغَسَّاق أي منه حميم وغساق . والغَسَقُ السَّيَلاَنُ ، يقال : غَسَقَتْ عَيْنهُ أي سَالَتْ ، قال المفسرون : إنه ما يسيل من صديدهم ، وقيل : غسق أي امتلأ ، ومنه غسقت عينه أي امتلأت بالدمع ومنه الغَاسِق للقمر لامتلائه وكماله . وقيل : الغَسَّاق ما قَتَلَ ببردِهِ ، ومنه قيل لليل : غاسِقٌ ، لأنه أبرد من النهار ، وقال ابن عباس : هو الزَّمْهَريرُ يحرقهم ببرده كما تحرقهم النار بحرِّها . وقال مجاهد وقتادة : هو الذي انتهى برده ، وقيل : الغسق شدة الظلمة ومنه قيل للَيل غاسق ، ويقال للقمر غاسق إذا كسف لاسُوِدَادِهِ ، والْقَولان منقولان في تفسير قوله تعالى : { ومِن شَرِّ غاسق }[ الفلق : 2 ] . وقيل : الغساق : المنتن بلغة الترك وحكى الزجاج : «لو قَطَرَتْ منه قطرة بالمغرب لأَنتَنَتْ أهل المشرق » . وقال ابن عُمَر : هو القيح الذي يسيل منهم يجتمع فيُسْقَوْنَهُ ، قال قتادة : هو ما يَغْسِقُ أي يسيل من القيح والصَّديد من جلود أهل النار ولحومهم وفروج الزناة من قولهم : غَسَقَتْ عَيْنُهُ إذا انْصَبَّتْ والغَسَقَانُ الانْصبَابُ ، قال كعب : الغَسّاق عينٌ في جهنم يسيل إليها كل ذوات حية وعقرب .