قوله : { هذا فَلْيَذُوقُوهُ } في هذا أوجه :
أحدها : أن يكون مبتدأ وخبره : «حميمٌ وغَسَّاقٌ » . وقد تقدم أن اسم الإشارة يكتفي بواحدة في المثنى كقوله : { عَوَانٌ بَيْنَ ذلك } [ البقرة : 68 ] أو يكون المعنى : هذا جامع بين الوصفين ويكون قوله : { فَلْيَذُوقُوهُ } جملة اعتراضية .
الثاني : أن يكون «هذا » منصوباً بمقدر على الاشتغال أي لِيَذُوقُوا هذا ، وشبهه الزمخشري بقوله تعالى : { وَإِيَّايَ فارهبون } [ البقرة : 40 ] يعني على الاشتغال والكلام على مثل هذه الفاء قد تقدم . و «حمِيمٌ » على هذا خبر مبتدأ مضمر ، أو مبتدأ وخبره مضمر أي مِنْهُ حميمٌ ومنهُ غسَّاقٌ كقوله :
حَتَّى إذَا مَا أَضَاءَ الْبَرْقُ فِي غَلَسٍ*** وَغُودِرَ البَقْلُ مَلْوِيٌّ ومَحْصُودُ
الثالث : أن يكون «هذا » مبتدأ والخبر محذوف أي هذا كَمَا ذُكِرَ أو هذا للطاغين .
الرابع : أنه خبر مبتدأ مضمر أي الأمر هذا . ثم استأنف أمراً فقال «فَلْيَذُوقُوهُ » .
الخامس : أن يكون مبتدأ خبره فليذوقوه ، وهو رأي الأخفش . ومنه :
وَقَائِلَةٍ خَوْلاَنُ فَانْكِحْ فَتَاتَهُمْ*** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وتقدم تحقيق هذا عند قوله : { والسارق والسارقة فاقطعوا } [ المائدة : 38 ] . وقرأ الأَخَوانِ وحفصٌ غَسَّاق بتشديد السين هنا وفي { عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ } [ النبأ : 1 ] وخَفَّفَهُ الباقون فيهما . فأما المثقل فهو صفة كالجّبَّار والضَّرَاب مثال مبالغةٍ وذلك أن «فَعَّالاً » في الصفات أغلب منه في الاسم . ومِنْ وُرُودِهِ في الأسماء الكلاَّء والحَبَّان والفَيًَّاد لذَكَر البوم والعَقَّار والخَطَّار . وأما المخفف فهو اسم لا صفة لأن فَعَالاً بالتخفيف في الأسماء كالعَذَاب والنَّكَال أغلب منه في الصفات على أنَّ منْهُمْ من جعلَهُ صفةً بمعنى «ذو كذا » أي ذِي غَسَق ، وقال أبو البقاء أو يكون «فَعَّال » بمعنى فَاعِلٍ . قال شهاب الدين : وهذا غير معروفٍ .
قيل : هذا على التقديم والتأخير . والتقدير : هذا حميمٌ وغَسَّاق فَليَذُوقُوهُ ، وقيل : التقدير : جهنم يصلونها فبئس المهاد هذا فليذوقوه ثم يبتدئ فيقول : حَمِيمٌ وغَسَّاق أي منه حميم وغساق . والغَسَقُ السَّيَلاَنُ ، يقال : غَسَقَتْ عَيْنهُ أي سَالَتْ ، قال المفسرون : إنه ما يسيل من صديدهم ، وقيل : غسق أي امتلأ ، ومنه غسقت عينه أي امتلأت بالدمع ومنه الغَاسِق للقمر لامتلائه وكماله . وقيل : الغَسَّاق ما قَتَلَ ببردِهِ ، ومنه قيل لليل : غاسِقٌ ، لأنه أبرد من النهار ، وقال ابن عباس : هو الزَّمْهَريرُ يحرقهم ببرده كما تحرقهم النار بحرِّها . وقال مجاهد وقتادة : هو الذي انتهى برده ، وقيل : الغسق شدة الظلمة ومنه قيل للَيل غاسق ، ويقال للقمر غاسق إذا كسف لاسُوِدَادِهِ ، والْقَولان منقولان في تفسير قوله تعالى : { ومِن شَرِّ غاسق }[ الفلق : 2 ] . وقيل : الغساق : المنتن بلغة الترك وحكى الزجاج : «لو قَطَرَتْ منه قطرة بالمغرب لأَنتَنَتْ أهل المشرق » . وقال ابن عُمَر : هو القيح الذي يسيل منهم يجتمع فيُسْقَوْنَهُ ، قال قتادة : هو ما يَغْسِقُ أي يسيل من القيح والصَّديد من جلود أهل النار ولحومهم وفروج الزناة من قولهم : غَسَقَتْ عَيْنُهُ إذا انْصَبَّتْ والغَسَقَانُ الانْصبَابُ ، قال كعب : الغَسّاق عينٌ في جهنم يسيل إليها كل ذوات حية وعقرب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.