قوله تعالى : ( هذا فليذوقوه حميم وغساق ) : " هذا " في موضع رفع بالابتداء وخبره " حميم " على التقديم والتأخير ، أي هذا حميم وغساق فليذوقوه . ولا يوقف على " فليذوقوه " ويجوز أن يكون " هذا " في موضع رفع بالابتداء و " فليذوقوه " في موضع الخبر ، ودخلت الفاء للتنبيه الذي في " هذا " فيوقف على " فليذوقوه " ويرتفع " حميم " على تقدير هذا حميم . قال النحاس : ويجوز أن يكون المعنى الأمر هذا ، وحميم وغساق إذا لم تجمعهما خبرا فرفعهما على معنى هو حميم وغساق . والفراء يرفعهما بمعنى منه حميم ومنه غساق وأنشد :
حتى إذا ما أضاء الصبح في غَلَسٍ *** وغُودر البقْلُ مَلْوِيٌّ ومحصودُ
لها متاعٌ وأعوانٌ غَدَوْنَ بِهِ *** قِتْبٌ وغرب إذا ما أُفْرِغَ انسَحَقَا
ويجوز أن يكون " هذا " في موضع نصب بإضمار فعل يفسره " فليذوقوه " كما تقول زيدا اضربه . والنصب في هذا أولى فيوقف على " فليذوقوه " وتبتدئ " حميم وغساق " على تقدير الأمر حميم وغساق . وقراءة أهل المدينة وأهل البصرة وبعض الكوفيين بتخفيف السين في " وغساق " . وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي " وغساق " بالتشديد ، وهما لغتان بمعنى واحد في قول الأخفش . وقيل : معناهما مختلف ، فمن خفف فهو اسم مثل عذاب وجواب وصواب ، ومن شدد قال : هو اسم فاعل نقل إلى فعال للمبالغة ، نحو ضراب وقتال ، وهو فعال من غسق يغسق فهو غساق وغاسق . قال ابن عباس : هو الزمهرير يخوفهم ببرده . وقال مجاهد ومقاتل : هو الثلج البارد الذي قد انتهى برده . وقال غيرهما . إنه يحرق ببرده كما يحرق الحميم بحره . وقال عبد الله بن عمرو : هو قيح غليظ لو وقع منه شيء بالمشرق لأنتن من في المغرب ، ولو وقع منه شيء في المغرب لأنتن من في المشرق . وقال قتادة : هو ما يسيل من فروج الزناة ومن نتن لحوم الكفرة وجلودهم من الصديد والقيح والنتن . وقال محمد بن كعب : هو عصارة أهل النار . وهذا القول أشبه باللغة . يقال : غسق الجرح يغسق غسقا إذا خرج منه ماء أصفر . قال الشاعر :
إذا ما تذكرتُ الحياةَ وطيبَها*** إليّ جَرَى دَمْعٌ من الليل غاسقُ
أي بارد . ويقال : ليل غاسق ؛ لأنه أبرد من النهار . وقال السدي : الغساق الذي يسيل من أعينهم ودموعهم يسقونه مع الحميم . وقال ابن زيد : الحميم دموع أعينهم ، يجمع في حياض النار فيسقونه ، والصديد الذي يخرج من جلودهم . والاختيار على هذا " وغساق " حتى يكون مثل سيال . وقال كعب : الغساق عين في جهنم يسيل إليها سم كل ذي حمة من عقرب وحية . وقيل : هو مأخوذ من الظلمة والسواد . والغسق أول ظلمة الليل ، وقد غسق الليل يغسق إذا أظلم . وفي الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم : قال ( لو أن دلوا من غساق يهراق في الدنيا لأنتن أهل الدنيا ) .
قلت : وهذا أشبه على الاشتقاق الأول كما بينا ، إلا أنه يحتمل أن يكون الغساق مع سيلانه أسود مظلما فيصح الاشتقاقان . والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.