فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{هَٰذَا فَلۡيَذُوقُوهُ حَمِيمٞ وَغَسَّاقٞ} (57)

{ هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ } هذا في موضع رفع بالابتداء ، وخبره حميم ، وغساق على التقديم والتأخير ، أي هذا حميم وغساق ، فليذوقوه . قال الفراء ، والزجاج : تقدير الآية : هذا حميم وغساق فليذوقوه ، أو يقال لهم في ذلك اليوم هذه المقالة . والحميم : الماء الحارّ الذي قد انتهى حرّه ، والغساق : ما سال من جلود أهل النار من القيح والصديد ، من قولهم : غسقت عينه إذا انصبت ، والغسقان : الانصباب . قال النحاس : ويجوز أن يكون المعنى : الأمر هذا ، وارتفاع حميم وغساق على أنهما خبران لمبتدأ محذوف ، أي : هو حميم وغساق ، ويجوز أن يكون هذا في موضع نصب بإضمار فعل يفسره ما بعده ، أي ليذوقوا هذا ، فليذوقوه ، ويجوز أن يكون حميم مرتفع على الابتداء ، وخبره مقدّر قبله ، أي : منه حميم ومنه غساق ، ومثله قول الشاعر :

حتى إذا ما أضاء البرق في غلس *** وغودر البقل ملويّ ومخضود

أي : منه ملويّ ومنه مخضود ، وقيل : الغساق ما قتل ببرده ، ومنه قيل : لليل غاسق ، لأنه أبرد من النهار ، وقيل : هو الزمهرير ، وقيل : الغساق : المنتن ، وقيل : الغساق : عين في جهنم يسيل منه كلّ ذوب حية ، وعقرب . وقال قتادة : هو ما يسيل من فروج النساء الزواني ، ومن نتن لحوم الكفرة ، وجلودهم . وقال محمد بن كعب : هو : عصارة أهل النار ، وقال السدي : الغساق : الذي يسيل من دموع أهل النار يسقونه مع الحميم ، وكذا قال ابن زيد . وقال مجاهد ، ومقاتل : هو الثلج البارد الذي قد انتهى برده ، وتفسير الغساق بالبارد أنسب بما تقتضيه لغة العرب ، ومنه قول الشاعر :

إذا ما تذكرت الحياة وطيبها *** إليّ جرى دمع من الليل غاسق

أي : بارد ، وأنسب أيضاً بمقابلة الحميم . وقرأ أهل المدينة ، وأهل البصرة ، وبعض الكوفيين بتخفيف السين من " غساق " ، وقرأ يحيى بن وثاب ، والأعمش ، وحمزة بالتشديد ، وهما لغتان بمعنى واحد كما قال الأخفش . وقيل : معناهما مختلف ؛ فمن خفف ، فهو اسم مثل عذاب ، وجواب ، وصواب ، ومن شدّد قال : هو اسم فاعل للمبالغة نحو ضرّاب ، وقتال .

/خ70