روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلۡيَوۡمَ إِذ ظَّلَمۡتُمۡ أَنَّكُمۡ فِي ٱلۡعَذَابِ مُشۡتَرِكُونَ} (39)

/ وقوله تعالى : { وَلَن يَنفَعَكُمُ } الخ حكاية لما سيقال لهم حينئذ من جهة الله عز وجل توبيخاً وتقريعاً ، وفاعل { يَنفَعَكُمُ } ضمير مستتر يعود على ما يفهم مما قبل أي لن ينفعكم هو أي تمنيكم لمباعدتهم أو الندم أو القول المذكور { اليوم } أي يوم القيامة { إِذ ظَّلَمْتُمْ } بدل من { اليوم } أي إذ تبين أنكم ظلمتم في الدنيا قاله غير واحد ، وفسر ذلك بالتبين قيل لئلا يشكل جعله وهو ماض بدلاً من { اليوم } وهو مستقبل لأن تبين كونهم ظالمين عند أنفسهم إنما يكون يوم القيامة فاليوم وزمان التبين متحدان وهذا كقوله :

إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة *** وأورد عليه أن السؤوال عائد لأن { إِذْ } ظرف لما مضى من الزمان ولا يخرج عن ذلك باعتبار التبين وتقصى بعضهم عن الاشكال لأن إذ قد تخرج من المضي إلى الاستقبال على ما ذهب إليه جماعة منهم ابن مالك محتجاً بقوله تعالى : { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الاغلال } [ غافر : 70 ، 71 ] وإلى الحال كما ذهب إليه بعضهم مجتجاً بقوله سبحانه : { وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ } [ يونس : 61 ] فلتكن هنا للاستقبال ، وأهل العربية يضعفون دعوى خروجها من المضي .

وقال الجلبي : لعل الأظهر حملها على التعليل فيتعلق بالنفي ، فقد قال سيبويه : إنها بمعنى التعليل حرف بمنزلة لام العلة ، نعم أنكر الجمهور هذا القسم لكن إثبات سيبويه إياه يكفي حجة :

فإن القول ما قالت حذام *** وتعقب بأنه لا يكفي في تخريج كلام الله سبحانه إثبات سيبويه وحده مع إطباق جميع أئمة العربية على خلافه ، وأيضاً تعليل النفي بعد يبعده وقال أبو حيان : لا يجوز البدل على بقاء إذ على موضوعها من كونها ظرفاً لما مضى من الزمان فإن جعلت لمطلق الوقت جاز ، ولا يخفى أن ذلك مجاز فهل تكفي البدلية قرينة له فإن كفت فذاك ، وقال ابن جنى : راجعت أبا علي في هذه المسألة يعني الإبدال المذكور مراراً وآخر ما تحصل منه أن الدنيا والآخرة متصلتان وهما سواء في حكم الله سبحانه وعلمه جل شأنه إذ لا يجري عليه عز وجل زمان فكأن { إِذْ } مستقبل أو { اليوم } ماض فصح ذلك ، ورد بأن المعتبر حال الحكاية والكلام فيها وارد على ما تعارفه العرب ولولاه لسد باب النكات ولغت الاعتبارات في العبارات ومثله غني عن البيان ، وقال أبو البقاء : التقدير بعد إذ ظلمتم فحذف المضاف لعلم به ، وقال الحوفي : { إِذْ } متعلقة بما دل عليه المعنى كأنه قيل ولن ينفعكم اليوم اجتماعكم إذ ظلمتم مثلاً .

ومن الناس من استشكل الآية من حيث أن فيها إعمال { يَنفَعَكُمُ } الدال على الاستقبال لاقترانه بلن في اليوم وهو الزمان الحاحضر وإذ وهو للزمان الماضي ، وأجيب بأنه يدفع الثاني بما قدروه من التبين لأن تبين الحال يكون في الاستقبال والأول بأن { اليوم } تعريفه للعهد وهو يوم القيامة لا للحضور كتعيرف الآن وان كان نوعاً منه .

وقيل : يدفع بأن الاستقبال بالنسبة إلى وقت الخطاب وهو بعض أوقات اليوم وهو كما ترى فتأمل ولا تغفل .

وقوله تعالى : { أَنَّكُمْ فِى العذاب مُشْتَرِكُونَ } تعليل لنفي النفع أي لأن حقكم أن تشتركوا أنتم وقرناؤكم في العذاب كما كنتم مشتركين في سببه في الدنيا .

وجوز أن يكون الفعل مسنداً إليه أي لن ينفكم كونكم مشتركين في العذاب كما ينفع الواقعين في الأمر الصعب اشتراكهم فيه لتعاونهم في تحمل أعبائه وتقسمهم لشدته وعنائه وذلك أن كل واحد منكم به من العذاب ما لا تبلغه طاقته أو لن ينفعكم ذلك من حيث التأسي فإن المكروب يتأسى ويتروح بوجدان المشارك وهو الذي عنته الخنساء بقولها :

يذكرني طلوع الشمس صخرا *** وأذكره بكل مغيب شمس

ولولا كثرة الباكين حولي *** على اخوانهم لقتلت نفسي

وما يبكون مثل أخي ولكن *** اعزى النفس عنه بالتأسي

فهؤلاء يؤسيهم اشتراكهم ولا يروحهم لعظم ما هم فيه أو لن ينفعكم ذلك من حيث التشفي أي لن يحصل لكم التشفي بكون قرنائكم معذبين مثلكم حيث كنتم تدعون عليهم بقولكلم : { رَبَّنَا ءاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ العذاب والعنهم لَعْناً كَبِيراً } [ الأحزاب : 68 ] وقولكم : { فآتهم عذاباً ضعفاً من النار } [ الأعراف : 38 ] لتتشفوا بذلك ، واعترض على الوجه الأول من هذه الأوجه الثلاثة بأن الانتفاع التعاون في تحمل أعباء العذاب ليس ما يخظر ببالهم حتى يرد عليهم بنفيه ، وأجيب بأنه غير بعيد أن يخطر ذلك ببالهم لمكان المقارنة والصحبة والغريق يتشبث بالحشيش والظمآن يحسب السراب شراباً .

وقرأ ابن عامر { إِنَّكُمْ } بكسر الهمزة وهو تقوى ما ذكر أولاً من إضمار الفاعل وتقدير اللام في أنكم معنى ولفظاً لأنه لا يمكن أن يكون فاعلاً فيتعين الإضمار ، ولأن الجملة عليها تكون استئنافاً تعليلياً فيناسب تقدير اللام لتتوافق القراءتان .