روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{قُلۡ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوٓاْ إِن زَعَمۡتُمۡ أَنَّكُمۡ أَوۡلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (6)

{ قُلْ يا أهل أَيُّهَا الذين هَادُواْ } أي تهودوا أي صاروا يهوداً { إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ } أي أحباء له سبحانه ولم يضف أولياء إليه تعالى كما في قوله سبحانه : { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء الله } [ يونس : 62 ] قال الطيبي : ليؤذن بالفرق بين مدعي الولاية ومن يخصه عز وجل بها { مّن دُونِ الناس } حال من الضمير الراع إلى اسم { إن } أي متجاوزين عن الناس { فَتَمَنَّوُاْ الموت } أي فتمنوا من الله تعالى أن يميتكم وينقلكم من دار البلية إلى محل الكرامة { إِن كُنتُمْ صادقين } جوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه أي إن كنتم صادقين في زعمكم واثقين بأنه حق فتمنوا الموت فإن من أيقن أنه من أهل الجنة أحب أن يتخلص إليها من هذه الدار التي هي قرارة الإنكاد والأكدار ، وأمر صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم ذلك إظهاراً لكذبهم فإنهم كانوا يقولون : { نَحْنُ أَبْنَاء الله وَأَحِبَّاؤُهُ } [ المائدة : 18 ] ويدّعون أن الآخرة لهم عند الله خالصة ويقولون : { لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا } [ البقرة : 111 ] وروى أنه لما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبت يهود المدينة ليهود خيبر : إن اتبعتم محمداً أطعناه وإن خالفتموه خالفناه ، فقالوا نحن أبناء خليل الرحمن ومنا عزيز ابن الله والأنبياء ومتى كانت النبوة في العرب نحن أحق بها من من محمد ولا سبيل إلى اتباعه فنزلت { قُلْ يا أَيُّهَا الذين هَادُواْ } الآية ، واستعمال { إن } التي للشك مع الزعم وهو محقق للإشارة إلى أنه لا ينبغي أن يجزم به لوجود ما يكذبه .

وقرأ ابن يعمر . وابن أبي إسحق . وابن السميقع { فَتَمَنَّوُاْ الموت } بكسر الواو تشبيهاً ب { لو استطعنا } [ التوبة : 42 ] ، وعن ابن السميقع أيضاً فتحها ، وحكى الكسائي عن بعض الأعراض أنه قرأ بالهمزة مضمومة بدل الواو .

هذا ومن باب الإشارة : وفي قوله تعالى : { قُلْ يا أَيُّهَا الذين هَادُواْ } [ الجمعة : 6 ] الآية إشارة إلى جواز امتحان مدعى الولاية ليظهر حاله بالامتحان فعند ذلك يكرم أو يهان ، وفي عتاب الله تعالى المنفضين إشارة إلى نوع من كيفيات تربية المريد إذا صدر منه نوع خلاف ليسلك الصراط السوي ولا يرتكب الاعتساف ، وفي الآيات بعد إشارات يضيق عنها نطاق العبارات ، «ومن عمل بما علم أورثه الله عز وجل علم ما لم يعلم » .