الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{قُلۡ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوٓاْ إِن زَعَمۡتُمۡ أَنَّكُمۡ أَوۡلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (6)

وقوله سبحانه : { قُلْ يا أيها الذين هَادُواْ إِن زَعمْتُمْ } الآية ، رُوِيَ أنها نزلتْ بسبب أنَّ يهودَ المدينةِ لَمَّا ظَهَرَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ، خَاطَبُوا يهودَ خيبرَ في أمره ، وذكرُوا لهم نبوَّتَه ، وقالوا إن رأيتم اتَّبَاعَهُ أطَعْنَاكُمْ وإنْ رأيتم خِلاَفَه خَالَفْنَاه معكم ، فجاءهَم جوابُ أهْلِ خيبرَ يقولونَ : نحن أبناءُ إبراهيمَ خليلِ الرحمن ؛ وأبناءُ عزيرِ بنُ اللَّهِ ومنا الأنبياءُ ، ومتى كَانَتْ النبوةُ في العرب ، نحن أحقُّ بالنبوةِ من محمدِ ، ولا سبيلَ إلى اتباعهِ ، فنزلتِ الآيةَ بمعنى : أنكم إذا كنتم منَ اللَّهِ بهذه المنزلةِ فَقُرْبُهُ وفراقُ هذه الحياةِ الخسيسةِ أحبُّ إليكم ، فَتَمَنَّوْا الموتَ إن كنتم تَعْتَقِدُون في أنفسِكم هذه المنزلة ، ثم أخبر تعالى أنهم لا يتمنونه أبداً لعلمِهم بسوءِ حالِهم ، ورَوَى كثيرٌ من المفسرينَ أن اللَّه جَلَّتْ قُدْرَتُه جَعَلَ هذه الآيةَ معجزةً لمحمدٍ نبيِّه صلى الله عليه وسلم فِيهم ، فَهِيَ آيةٌ باهرةٌ ؛ وأعلَمَه أنه إن تمنى أحدٌ منهمُ الموتَ في أيام معدوداتٍ مَاتَ وفَارَقَ الدنيا ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تَمَنّوُا الموتَ ، على جهةِ التعجيزِ وإظهار الآيةِ ، فما تَمَنَّاهُ أحد منهم خَوْفاً من الموتِ وثقةً بصدقِ نبيِّنَا محمدٍ صلى الله عليه وسلم .