في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{قُلۡ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوٓاْ إِن زَعَمۡتُمۡ أَنَّكُمۡ أَوۡلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (6)

وكان اليهود يزعمون - كما يزعمون حتى اليوم - أنهم شعب الله المختار ، وأنهم هم أولياؤه من دون الناس وأن غيرهم هم " الجوييم " أو الأمميون أو الأميون . وأنهم من ثم غير مطالبين بمراعاة أحكام دينهم مع غيرهم من الأميين : ( قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ) . . إلى آخر هذه الدعاوى التي تفتري الكذب على الله بلا دليل ! فهنا دعوة لهم إلى المباهلة التي تكررت معهم ومع النصارى ومع المشركين :

( قل : يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين . ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين . قل : إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ، ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة ، فينبئكم بما كنتم تعملون ) . .

والمباهلة معناها وقوف الفريقين المتنازعين وجها لوجه ، ودعاؤهما معا إلى الله أن ينكل بالمبطل منهما . . وقد خاف كل من دعاهم رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إلى هذه المباهلة ونكلوا عنها ، ولم يقبلوا التحدي فيها . مما يدل على أنهم في قرارة نفوسهم كانوا يعرفون صدق رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وحقية هذا الدين .

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل بن يزيد الزرقي ، حدثنا أبو يزيد ، حدثنا فرات ، عن عبدالكريم ابن مالك الجزري ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال أبو جهل - لعنه الله - إن رأيت محمدا عند الكعبة لآتينه حتى أطأ على عنقه . قال : فقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " لو فعل لأخذته الملائكة عيانا . ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأو مقاعدهم من النار . ولو خرج الذين يباهلون رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] لرجعوا لا يجدون أهلا ولا مالا " .

وقد لا تكون هذه مباهلة ولكن مجرد تحد لهم ، بما أنهم يزعمون أنهم أولياء لله من دون الناس . فما يخيفهم إذن من الموت ، ويجعلهم أجبن خلق الله ? وهم حين يموتون ينالون ما عند الله مما يلقاه الأولياء والمقربون ? !