{ فَلَمَّا عَتَوْاْ } أي تكبروا { عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ } أي عن ترك ذلك ففي الكلام تقدير مضاف إذ التكبر والأباء عن المنهى عنه لا يذم { قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خاسئين } صاغرين أذلاء مبعدين عن كل خير والأمر تكويني لا تكليفي لأنه ليس في وسعهم حتى يكلفوا به ، وهذا كقوله تعالى : { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْء إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ النحل : 40 ] في أنه يحتمل أن يكون هناك قول وأن يكون الغرض مجرد التمثيل ، والظاهر أن الله تعالى أوقع بهم نكالا في الدنيا غير المسخ فلم يقلعوا عما كانوا عليه فمسخهم قردة .
وجوز أن يكون المراد بالعذاب البئيس هو المسخ وتكون هذه الآية تفصيلاً لما قبلها . روي عن ابن عباس أن اليهود إنما افترض عليهم اليوم الذي افترض عليكم وهو يوم الجمعة فخالفوا إلى يوم السبت واختاروه فحرم عليهم الصيد فيه وابتلوا به فكانت الحيتان تأتيهم يوم السبت شرعاً بيضاً سماناً حتى لا يرى الماء من كثرتها فمكثوا ما شاء الله تعالى لا يصيدون ثم أتاهم الشيطان فقال : إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت فاتخذوا الحياض والشبكات فكانوا يسوقون الحيتان إليها فيه ثم يأخذونها يوم الأحد ، وفي رواية أن رجلاً منهم أخذ حوتاً فحزمه بخيط ثم ضرب له وتدا في الساحل وربطه فيه وتركه في الماء فلما كان الغد جاء فأخذخ وأكله فلاموه على ذلك فلما لم يأته العذاب أخذ في السبت القابل حوتين وفعل ما فعل ولم يصبه شيء فلما رأوا أن العذاب لا يعاجلهم تجاسروا فأخذوا وملحوا وباعوا وكانوا نحوا من اثنى عشر ألفا أو من سبعين ألفا فصار أهل القرية أثلاثاً كما قص الله تعالى فقال المسلمون للمعتدين نحن لا نساكنكم فقسموا القرية بجدار للمسلمين باب وللمعتدين باب وكانت القصة في زمن داود عليه السلام فلعنهم فأصبح المسلمون ذات يوم ولم يخرج من المعتدين أحد فقالوا : إن لهؤلاء لشأنا لعل الخمر غلبتهم فعلوا على الجدار فإذا القوم قردة ففتحوا الباب ودخلوا عليهم فعرفت القردة أنسابها من الانس ولم تعرف الإنس انسابهم منها فجعلت تأتي إلى نسيبها فتشم ثيابه وتبكي فيقول : ألم ننهكم فتقول القردة برأسها نعم ثم ماتوا بعد ثلاث . وعن قتادة أن الشبان صاروا قردة والشيوخ خنازير ، وعن مجاهد أنه مسخت قلوبهم فلم يوفقوا لفعهم الحق . وأخرج ابن جرير وغيره عن الحسن قال : كان حوتاً حرمه الله عليهم في يوم وأحله لهم فيما سوى ذلك فكان يأتيهم في اليوم الذي حرمه الله تعالى عليهم كأنه المخاض ما يمتنع من أحد فجعلوا يهمون ويمسكون وقلما رأيت أحداً أكثر الاهتمام بالذنب إلا واقعة حتى أخذوه فأكلوا والله أوخم أكله أكلها قوم أثقلها خزيا في الدنيا وأطولها عذاباً في الآخرة وايم الله تعالى ما حوت أخذه قوم فأكلوه أعظم عند الله تعالى من قتل رجل مؤمن وللمؤمن أعظم حرمة عند الله سبحانه من حوت ولكن الله عز وجل جعل موعد قوم الساعة والساعة أدهى وأمر .
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة أنه كان على شاطىء البحر الذي هم عنده ضمان من حجارة مستقبلان الماء يقال لأحدهما لقيم وللآخرة لقمانة فأوحى الله تعالى إلى السمك إن حج يوم السبت إلى الصنمين وأوحى إلى أهل القرية إني قد أمرت السمك أن يحجوا إلى الصنمين يوم السبت فلا تتعرضوه فيه فإذا ذهب اليوم فشأنكم به فصيدوه فابتلى القوم ووقع منهم ما مسخوا به قردة وفي القلب من صحة هذا الأثر شيء ولعله لا صحة له كما لا يخفى على من يعرف معنى الحج من المصلين ، ويشبه هذين الصنمين عين حق لأن( {[295]} ) قرب جزيرة الحديثة من العراق وهي قريبة من شاطىء الفرات السمك يزورها في أيام مخصوصة من السنة حتى يخيل أنه لم يبق في بطن الفرات حوت إلا قذف إليها فيصيد أهل ذلك الصقع منه ما شاء الله تعالى وينقلونه إلى الجزائر والقرى القريبة منهم كألوس وحبة وعانات وهيت ثم ينقطع فلا ترى سمكة في العين بعد تلك الأيام إلى مثلها من قابل وسبحان الفعال لما يريد ، واستدل بعض أهل العلم بقصة هؤلاء المعتدين على حرمة الحيل في الدين ، وأيد ذلك بما أخرجه ابن بطة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود فتستحلوا محارم الله تعالى بأدنى الحيل » .
( هذا ومن باب الإشارة ) :{ فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ } أي أبوا أن يتركوا ذلك { قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خاسئين } [ الأعراف : 166 ] أي جعلنا طباعهم كطباعهم وذلك فوق حرمان قبول الفيض
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.