مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَلَمَّا عَتَوۡاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنۡهُ قُلۡنَا لَهُمۡ كُونُواْ قِرَدَةً خَٰسِـِٔينَ} (166)

ثم بين تعالى أنهم مع نزول هذا العذاب بهم تمردوا فقال عز من قائل : { فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين }

وفيه مباحث :

البحث الأول : العتو عبارة عن الإباء والعصيان ، وإذا عتوا عما نهوا عنه فقد أطاعوا ، لأنهم أبوا عما نهوا عنه ، ومعلوم أنه ليس المراد ذلك فلا بد من إضمار ، والتقدير : فلما عتوا عن ترك ما نهوا عنه ، ثم حذف المضاف ، وإذا أبوا ترك المنهي كان ذلك ارتكابا للمنهي .

البحث الثاني : من الناس من قال : إن قوله : { قلنا لهم كونوا قردة } ليس من المقال ، بل المراد منه : أنه تعالى فعل ذلك . قال : وفيه دلالة على أن قوله : { إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } هو بمعنى الفعل لا الكلام . وقال الزجاج : أمروا بأن يكونوا كذلك بقول سمع فيكون أبلغ .

واعلم أن حمل هذا الكلام على هذا بعيد ، لأن المأمور بالفعل يجب أن يكون قادرا عليه ، والقوم ما كانوا قادرين على أن يقلبوا أنفسهم قردة .

البحث الثالث : قال ابن عباس : أصبح القوم وهم قردة صاغرون ، فمكثوا كذلك ثلاثا فرآهم الناس ثم هلكوا . ونقل عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن شباب القوم صاروا قردة ، والشيوخ خنازير ، وهذا القول على خلاف الظاهر . واختلفوا في أن الذين مسخوا هل بقوا قردة ؟ وهل هذه القردة من نسلهم أو هلكوا ، وانقطع نسلهم ، ولا دلالة في الآية عليه ، والكلام في المسخ وما فيه من المباحثات قد سبق بالاستقصاء في سورة البقرة ، والله أعلم .