غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَلَمَّا عَتَوۡاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنۡهُ قُلۡنَا لَهُمۡ كُونُواْ قِرَدَةً خَٰسِـِٔينَ} (166)

تكبروا وتمردوا أو أبوا عن ترك ما نهوا عنه بحذف المضاف لأن الإباء عن المنهي عنه يكون طاعة { قلنا لهم كونوا قردة خاسئين } والمراد أمر التكوين والإيجاد لا أن هناك قولاً . وقيل : فلما عتوا تكرير لقوله { فلما نسوا } والعذاب البئيس هو المسخ . عن الحسن : أكلوا والله أوخم أكلة أكلها أهلها أثقلها خزياً في الدنيا وأطولها عذاباً في الآخرة . هاه وأيم الله ما حوت أخذه قوم فأكلوه أعظم عند الله من قتل رجل مسلم ولكن الله جعل موعداً والساعة أدهى وأمر . وقد ذكرنا هذه القصة مع تحقيق المسخ في سورة البقرة إلا أنه بقي هاهنا بحث هو أن أهل القرية كم فرقة كانوا ؟ فقيل : فرقتان المذنبة والواعظة ، وأما الأمة القائلة «لم تعظون » فهم المذنبة بعينها قالوا للفرقة الواعظة { لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم } بزعمكم . والاعتراض على هذا القول أنه لو صح ذلك لكان اللائق أن يقال في الجواب معذرة إلى ربكم ولعلكم تتقون لأن الجميع خطاب من الفرقة الناهية للفرقة العاصية . والصحيح أنهم ثلاث فرق فرقة مذنبة وفرقة واعظة وفرقة قالوا للواعظين { لم تعظون } أما المذنبة فقد هلكوا بالاتفاق ، وأما الواعظة فقد نجوا . بقي الكلام في الثالثة : فعن ابن عباس أنه توقف فيهم وكان يقول فيهم ليت شعري ما فعل بهؤلاء . وعنه أيضاً أنهم هلكوا وكان إذا قرئ عليه هذه الآية بكى . وقال : أن هؤلاء الذين سكتوا عن النهي عن المنكر هلكوا ونحن نرى أشياء ننكرها ثم نسكت ولا نقول شيئاً . وعن الحسن أنهم نجوا لأنهم كانوا ينكرون عليهم ويحكمون بأن الله سيهلكهم أو يعذبهم وإنما تركوا الوعظ لأنهم لم يروا فيه غرضاً صحيحاً لعلمهم بحال لقوم ، وإذا علم الناهي بحال المنهي وأن النهي لا ينجع فيه سقط عنه النهي . ولعل الواعظين لم يستحكم يأسهم بعد كما استحكم يأس هؤلاء أو لعلهم كانوا أحرص الطائفتين . ولعل الأمة سألوا عن علة الوعظ سؤال المسترشدين لا سؤال المنكرين والله تعالى أعلم بالسرائر .

/خ171