روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{إِن كُلُّ نَفۡسٖ لَّمَّا عَلَيۡهَا حَافِظٞ} (4)

{ إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } وما بينهما اعتراض جيء به لما ذكر من تأكيد فخامة المقسم به المستتبع لتأكيد مضمون الجملة المقسم عليها وقيل جوابه قوله سبحانه : { إِنَّهُ على رَجْعِهِ لَقَادِرٌ } [ الطارق : 8 ] وما في البين اعتراض وهو كما ترى وإن نافية ولما بمعنى إلا ومجيئها كذلك لغة مشهورة كما نقل أبو حيان عن الأخفش في هذيل وغيرهم يقولون أقسمت عليك أو سألتك لما فعلتك كذا يريدون إلا فعلت وبهذا رد على الجوهري المنكر لذلك وقال الرضي : لا تجىء إلا بعد نفي ظاهر أو مقدر ولا تكون إلا في المفرغ أي بخلاف الاوكل لتأكيد العموم لتحقق أصله من وقوع النكرة في سياق النفي وهو مبتدأ والخبر على المشهور حافظ وعليها متعلق به وعلى ما سمعت عن الرضي محذوف أي ما كل نفس كائنة في حال من الأحوال إلا في حال أن يكون عليها حافظ أي مهيمن ورقيب وهو الله عز وجل كما في قوله تعالى : { وَكَانَ الله على كُلّ شَىْء رَّقِيباً } [ الأحزاب : 52 ]

} . إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل *** خلوت ولكن قل على رقيب

وقيل هو من يحفظ عملها من الملائكة عليهم السلام ويحصي عليها ما تكسب من خير أو شر كما في قوله تعالى : { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لحافظين كِرَاماً كاتبين } [ الانفطار : 10 ، 11 ] الآية وروي ذلك عن ابن سيرين وقتادة وغيرهما وخصصوا النفس بالمكلفة وقيل هو من وكل على حفظها والذب عنها من الملائكة كما في قوله تعالى : { لَهُ معقبات مّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } [ الرعد : 11 ] يحفظونه من أمر الله وعن أبي امامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «وكل بالمؤمن مائة وستون ملكاً يذبون عنه كما يذب عن قصعة العسل الذباب ولو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين » وقيل هو العقل يرشد المرء إلى مصالحه ويكفه عن مضاره وقرأ الأكثر لما بالتخفيف فعند الكوفيين إن نافية كما سبق واللام بمعنى إلا وما زائدة وصرحوا هنا بأن كل وحافظ مبتدأ وخبر فلا تغفل وعند البصريين إن مخففة من الثقيلة وكل مبتدأ وما زائدة واللام هي الداخلة للفرق بين إن النافية وإن المخففة وحافظ خبر المبتدأ وعليها متعلق به وقدر لأن ضمير الشأن وتعقب بأنه لا حاجة إليه لأنه في غير المفتوحة ضعيف لعدم العمل مع أنه مخل بإدخال اللام الفارقة لأنه إذا كان الخبر جملة فالأولى إدخال اللام على الجزء الأول كما صرح به في التسهيل وإدخالها على الجزء الثاني كما صرح به بعض الأفاضل في حواشيه عليه ولعل من قال أي إن الشأن كل نفس لعليها حافظ لم يرد تقدير الضمير وإنما أراد بيان حاصل المعنى وحكى هارون أنه قرئ إن بالتشديد وكل بالنصب ولما بالتخفيف فاللام هي الداخلة في خبر إن وما زائدة وعلى جميع القراآت أمر الجوابية ظاهر لوجود ما يتلقى به القسم وتلقيه بالمشددة مشهور وبالمخففة تالله إن كدت لتردين وبالنافية { ولئن زالتا أن أمسكهما } [ فاطر : 41 ]