التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٞ وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارٗا} (82)

قوله تعالى : { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا } ( من ) ، ليست للتبعيض بل هي للجنس ؛ أي وننزل من هذا الجنس الذي هو قرآن ما هو شفاء ؛ فجميع القرآن شفاء للمؤمنين .

والقرآن شفاء للبشرية بما حواه من المعاني والأحكام والتصورات والعبر ؛ فكل ذلك مزيل للشبهات والشكوك والعلل التي تنتاب العقول فتشينها شينا وتسكب فيها ألوانا من ضلالات الفكر الباطل ، والمعارف الكاذبة المفتراة التي تعلن الحرب على منهج الله في اجتراء لئيم ووقح ، فلا يروق لها بذلك إلا أن تكيد لدين الله كيدا .

إن القرآن شفاء لهذه العقول من كل ضلالات ومفاسدها وانحرافاتها ، والقرآن شفاء للبشرية من كل الأدران والأوضار التي تأتي على النفس فتسومها المرض والعطب وكل ألوان الزيغ والشذوذ ، وتلكم أمراض بغيضة وممضة ومختلفة تصيب النفس البشرية فتثير فيها ألوانا شتى من الأسقام كالقلق والكمد والاغتمام والهلع والإحساس المستديم بالضيق والكآبة . إلى غير ذلك من صور الأمراض النفسية التي تكابدها البشرية في كل العصور .

لكن القرآن بعقيدته الراسخة السمحة ، ومعانيه الكريمة الشفيفة وتشريعه الشامل المتكامل ، يبدد كل ألوان المرض بكل صوره وأشكاله ، سواء في ذلك ما أصاب الذهن أو الجهاز النفسي والروحي للإنسان . إن القرآن بمعانيه المعجزة الفذة شفاء للإنسان من كل هاتيك الأسقام والعلل التي تقضّ الأفراد والمجتمعات قضّاً والتي تسوم الإنسان الأوجاع والآلام .

وكذلك فإن القرآن رحمة للمؤمنين ؛ لأنهم يتبعون أحكامه فيحلون حلاله ويحرمون حرامه ، ويهتدون بنوره الساطع المشعشع ، ويستلهمون من عقيدته ومعانيه الإيمان والهداية والتوفيق ، فيتجلى في طبائعهم وسماتهم وسلوكهم كل معالم الخير من حميد الخصال وعظيم الخلال وحسن الأعمال والأفعال . وبذلك تستقيم أحوال الفرد والجماعة فتنعم البشرية بنعيم الأمن والاستقرار والمودة والتعارف . وتترسخ في الدنيا ظواهر العدل والرحمة والتعاون والفضيلة .

قوله : ( ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ) لا يزداد الكافرون بسماع القرآن إلا هلاكا فوق هلاكهم ؛ لأنهم كلما سمعوا بشيء منه جديد كذبوا وجحدوا فازدادوا بذلك إيغالا في الخسران ، والتعس والرجس{[2733]} .


[2733]:- تفسير الطبري جـ15 ص 103 وتفسير القرطبي جـ10 ص 315- 320.