تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٞ وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارٗا} (82)

الآية 82 : وقوله تعالى : { وننزل من القرآن ما هو شفاء } كأن الآية نزلت في ابتداء الأمر حين{[11165]} قال : { وننزل } ولم يقل : ونزلنا{ من القرآن ما هو شفاء } وجائز أن يكون قوله : { وننزل من القرآن ما هو شفاء } نفس القرآن ، وهو ما ذكرنا .

ويَحْتَمِلُ المواعيد التي في القرآن من وقائع ، تكون عليهم ، وكان ذلك شفاء للمؤمنين كقوله : { قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم }/ 308-أ/ الآية ( التوبة : 14 ) أو نقول بأنه يجوز : نفعل بمعنى فعلنا ، وذلك كثير القرآن .

ثم قوله : { شفاء ورحمة للمؤمنين } أي شفاء للمستشفين في الدنيا ، ورحمة لمن تمسك به ، وعمى وخسارة وظلمة لمن أعرض عنه ، ونظر إليه بعين الاستخفاف والاستثقال .

وأما من نظر إليه بعين التعظيم والإجلال فهو له شفاء ورحمة .

وإن كان القرآن نفسه ( كان ){[11166]} شفاء ونورا . وهكذا في الشاهد : أن من أبصر شيئا إنما يبصر بنور البصر و بنور الهواء بارتقاء{[11167]} ما يسر النورين جميعا ، لأنه إذا كان أعمى{[11168]} البصر لم يبصر شيئا ، وإن كان نورا الهواء متجليا ، وكذلك لا تبصر شيئا إذا كان نور البصر متجليا بعد أن سترت الظلمة نور الهواء .

فإن ما ذكرنا أنه لا يبصر في الشاهد شيئا إلا بنورين : نور البصر ونور الهواء ، فالكافر لم يبصر القرآن وشفاءه لما سترت الظلمة نور قلبه ، والمؤمن أبصر نوره وشفاءه بنور إيمانه . وهكذا الأدوية فإنها لا تجدي نفعا ، وإن كانت نافعة شافية في نفسها ، إلا بقبول الطبيعة ، لأن الطبع إذا لم يقبلها ، وإن كانت شافية نافعة ، لن تنفع صاحبها ، ولم يكن له{[11169]} شفاء ، وصارت كأنها في الأصل كانت ضارَّةَ غير شافية فعلى ذلك القرآن ، وإن كان في نفسه شفاء ونورا ، وصار للكافر عمى وخسارا ، كأن لا شفاء فيه ، ولا رحمة لما سترت ظلمة الكفر نوره ، فصار كالزائد له رجسا وطغيانا ونفورا ، وهو ما قال : { ولا يزيد الظالمين إلا خسارا }والله أعلم .


[11165]:في الأصل و.م : حيث.
[11166]:ساقطة من الأصل و م .
[11167]:في م : بارتفاع
[11168]:في الأصل و.م: عمى.
[11169]:في الأصل و.م: لهم.