فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٞ وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارٗا} (82)

{ وَنُنَزّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ للْمُؤْمِنِينَ } قرأ الجمهور { ننزل } بالنون . وقرأ أبو عمرو بالتخفيف . وقرأ مجاهد بالياء التحتية والتخفيف ، ورواها المروزي عن حفص ، و«من » لابتداء الغاية ، ويصح أن تكون لبيان الجنس . وقيل : للتبعيض ، وأنكره بعض المفسرين لاستلزامه أن بعضه لا شفاء فيه ، ورده ابن عطية بأن المبعض هو إنزاله .

واختلف أهل العلم في معنى كونه شفاء على القولين : الأوّل : أنه شفاء للقلوب بزوال الجهل عنها وذهاب الريب وكشف الغطاء عن الأمور الدالة على الله سبحانه . القول الثاني : أنه شفاء من الأمراض الظاهرة بالرقي والتعوّذ ونحو ذلك ، ولا مانع من حمل الشفاء على المعنيين من باب عموم المجاز ، أو من باب حمل المشترك على معنييه . ثم ذكر سبحانه أنه رحمة للمؤمنين لما فيه من العلوم النافعة المشتملة على ما فيه صلاح الدين والدنيا ، ولما في تلاوته وتدبره من الأجر العظيم الذي يكون سبباً لرحمة الله سبحانه ومغفرته ورضوانه ، ومثل هذه الآية قوله تعالى : { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء والذين لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى } [ فصلت : 44 ] . ثم لما ذكر سبحانه ما في القرآن من المنفعة لعباده المؤمنين ، ذكر ما فيه لمن عداهم من المضرّة عليهم فقال : { وَلاَ يَزِيدُ الظالمين إَلاَّ خَسَارًا } أي : ولا يزيد القرآن كله أو كل بعض منه الظالمين الذي وضعوا التكذيب موضع التصديق ، والشك والارتياب موضع اليقين والاطمئنان { إَلاَّ خَسَارًا } أي : هلاكاً ، لأن سماع القرآن يغيظهم ويحنقهم ويدعوهم إلى زيادة ارتكاب القبائح تمرّداً وعناداً ، فعند ذلك يهلكون ؛ وقيل : الخسار : النقص كقوله : { فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إلى رِجْسِهِمْ } [ التوبة : 125 ] .

/خ85