لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٞ وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارٗا} (82)

قوله تعالى : { وننزل من القرآن ما هو شفاء } من في قوله تعالى من القرآن لبيان الجنس والمعنى : ننزل من هذا الجنس الذي هو القرآن ما هو شفاء أي بيان من الضلالة والجهالة ، يتبين به المختلف فيه ويتضح به المشكل ، ويستشفى به من الشبهة ويهتدى به من الحيرة وهو شفاء القلوب بزوال الجهل عنها . وقيل : هو شفاء للأمراض الباطنة والظاهرة ، وذلك لأنها تنقسم إلى نوعين{[5]} أحدهما الاعتقادات الباطلة ، والثاني الأخلاق المذمومة أما الاعتقادات الباطلة فأشدها فساداً والاعتقادات الفاسدة في الذات والصفات والنبوات والقضاء والقدر والبعث بعد الموت ، فالقرآن كتاب مشتمل على دلائل المذهب الحق في هذه الأشياء وإبطال المذاهب الفاسدة ، لا جرم ، كان القرآن شفاء لما في القلوب من هذا النوع . وأما النوع الثاني : وهو الأخلاق المذمومة فالقرآن مشتمل على التنفير منها ، والإرشاد إلى الأخلاق المحمودة والأعمال الفاضلة ، فثبت أن القرآن شفاء من جميع الأمراض الباطنة وأما كونه شفاء من الأمراض الجسمانية ، فلأن التبرك بقراءته يدفع كثيراً من الأمراض . يدل عليه ما روي عن البني صلى الله عليه وسلم في فاتحة الكتاب ، « وما يدريك أنها رقية » { ورحمة للمؤمنين } لما كان القرآن شفاء للأمراض الباطنة والظاهرة ، فهو جدير بأن يكون رحمة للمؤمنين { ولا يزيد الظالمين إلا خساراً } لأن الظالم لا ينتفع به ، والمؤمن ينتفع به فكان رحمة للمؤمنين وخساراً للظالمين ، وقيل : لأن كل آية تنزل يتجدد لهم تكذيب بها فيزداد خسارهم قال قتادة : لم يجالس القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان قضاه الله الذي قضى شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً .


[5]:قوله لأنها تنقسم إلى نوعين أي الأمراض الغير الجسمانية بدليل قوله بعد وأما كونه شفاء من الأمراض الجسمانية والعبارة في الفخر الرازي بغاية التهذيب فليراجع.