البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٞ وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارٗا} (82)

وقرأ الجمهور : و { ننزل } بالنون ومجاهد بالياء خفيفة ورواها المروزي عن حفص .

وقرأ زيد بن عليّ : { شفاءً ورحمةً } بنصبهما ويتخرج النصب على الحال وخبر هو قوله { للمؤمنين } والعامل فيه ما في الجار والمجرور من الفعل ، ونظيره قراءة من قرأ { والسموات مطويات بيمينه } بنصب مطويات .

وقول الشاعر :

رهط ابن كوز محقي أدراعهم . . . ***فيهم ورهط ربيعة بن حذار

وتقديم الحال على العامل فيه من الظرف أو المجرور لا يجوز إلاّ عند الأخفش ، ومن منع جعله منصوباً على إضمار أعني وشفاؤه كونه مزيلاً للريب كاشفاً عن غطاء القلب بفهم المعجزات والأمور الدالة على الله المقررة لدينه ، فصار لعلات القلوب كالشفاء لعلات الأجسام .

وقيل : شفاء بالرقى والعَوذ كما جاء في حديث الذي رقي بالفاتحة من لسعة العقرب .

واختلفوا في النشرة وهو أن يكتب شيء من أسماء الله تعالى أو من القرآن ثم يغسل بالماء ثم يمسح به المريض أو يسقاه ، فأجاز ذلك ابن المسيب ولم يره مجاهد .

وعن عائشة : كانت تقرأ بالمعوذتين في إناء ثم تأمر أن يصب على المريض .

وقال أبو عبد الله المازني : النشرة أمر معروف عند أهل التعزيم ، سميت بذلك لأنها تنشر عن صاحبها أي تحل ، ومنعها الحسن والنخعي .

" وروى أبو داود من حديث جابر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال وقد سئل عن النشرة : «هي من عمل الشيطان » " ويحمل ذلك على ما إذا كانت خارجة عما في كتاب الله وسنة الرسول ، والنشرة من جنس الطب في غسالة شيء له فضل .

وقال مالك : لا بأس بتعليق الكتب التي فيها أسماء الله تعالى على أعناق المرضى على وجه التبرك بها إذا لم يرد معلقها بذلك مدافعة العين ، وهذا معناه قبل أن ينزل به شيء من العين أما بعد نزول البلاء فيجوز رجاء الفرج والبرء من المرض كالرقى المباحة التي وردت السنة بها من العين وغيرها .

وقال ابن المسيب : يجوز تعليق العوذة في قصبة أو رقعة من كتاب الله ويضعه عند الجماع وعند الغائط ، ورخص الباقر في العوذة تعلق على الصبيان وكان ابن سيرين لا يرى بأساً بالشيء من القرآن يعلقه الإنسان .

وخسار الظالمين وهم الذين يضعون الشيء في غير موضعه هو بإعراضهم عنه وعدم تدبره بخلاف المؤمن فإنه يزداد بالنظر فيه وتدبر معانيه إيماناً .