السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٞ وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارٗا} (82)

ولما بين سبحانه وتعالى الآلهيات والنبوّات والحشر والنشر والبعث وإثبات القضاء والقدر ثم أتبعه بالأمر بالصلاة ونبه على ما فيها من الأسرار وكان القرآن هو الجامع لجميع ذلك أتبعه ببيان كونه شفاء ورحمة بقوله تعالى : { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين } أي : ما هو شفاء في تقويم دينهم واستصلاح نفوسهم كالدواء الشافي للمريض .

تنبيه : في من هذه ثلاثة أوجه أحدها : أنه لبيان الجنس قاله الزمخشريّ والبيضاويّ وابن عطية وأبو البقاء ورد عليهم أبو حيان بأنّ التي للبيان لا بدّ أن تتقدّمها عليه ما تبينه لا أن تتقدّم عليه وهنا قد وجد تقديمها عليه . الثاني : أنها للتبعيض وأنكره الحوفي لأنه يلزم أن لا يكون بعضه شفاء . وأجاب أبو البقاء بأنّ منه ما يشفي من المرض وهذا قد وجد بدليل رقية بعض الصحابة سيد الحيّ الذي لدغ بالفاتحة فشفي من المرض فيكون التبعيض بالنسبة للأمراض الجسمانية وإلا فهو كله شفاء للأبدان وللقلوب من الاعتقادات وغيرها . الثالث : أنها لابتداء الغاية وهو كما قال ابن عادل واضح .

{ و } من العجيب أنّ هذا الشفاء { لا يزيد الظالمين } وهم الذين يضعون الشيء في غير موضعه بإعراضهم هما يجب قبوله { إلا خسارا } أي : نقصاناً لأنه إذا جاءهم وقامت به الحجة عليهم أعرضوا عنه فكان إعراضهم ذلك زيادة في كفرهم كما أن قبول المؤمنين له وإقبالهم على تدبره زيادة في إيمانهم ، وفي الدارمي عن قتادة قال : ما جالس أحد القرآن فقام عنه إلا بزيادة أو نقصان ثم قرأ هذه الآية ،