التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{فَلَمَّا رَجَعُوٓاْ إِلَىٰٓ أَبِيهِمۡ قَالُواْ يَـٰٓأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا ٱلۡكَيۡلُ فَأَرۡسِلۡ مَعَنَآ أَخَانَا نَكۡتَلۡ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ} (63)

معنى { منع منا الكيل } حِيل بيننا وبين الكيل في المستقبل ، لأن رجوعهم بالطعام المعبر عنه بالجَهاز قرينة أن المنع من الكيل يقع في المستقبل ، ولأن تركيب { منع منا } يؤذن بذلك ، إذ جعلوا الكيل ممنوع الابتداء منهم لأن { من } حرف ابتداء .

والكيل مصدر صالح لمعنى الفاعلية والمفعولية ، وهو هنا بمعنى الإسناد إلى الفاعل ، أي لن نكيل ، فالممنوع هو ابتداء الكيل منهم . ولمّا لم يكن بيدهم ما يكال تعيّن تأويل الكيل بطلبه ، أي منع منّا ذلك لعدم الفائدة لأننا لا نُمنحه إلاّ إذا وفينا بما وعَدْنا من إحضار أخينا . ولذلك صح تفريع { فأرسل معنا أخانا } عليه ، فصار تقدير الكلام : منعنا من أن نطلب الكيل إلا إذا حضر معنا أخونا . فتعين أنه حكَوْا القصة لأبيهم مفصلة واختصرها القرآن لظهور المرد . والمعنى : إن أرسلته معنا نَرحَل للاكتيال ونطلبه . وإطلاق المنع على هذا المعنى مجاز ، لأنهم أنذروا بالحرمان فصار طلبهم ممنوعاً منهم لأن طلبه عبث .

وقرأ الجمهور { نكتل } بنون المتكلم المشارك . وقرأه حمزة ، والكسائي ، وخلف بتحتية عوض النون على أنه عائد إلى { أخانا } أي يكتل معنا .

وجملة { وإنا له لحافظون } عطف على جملة { فأرسل } . وأكدوا حفظه بالجملة الإسمية الدالة على الثبات وبحرف التوكيد .