اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَلَمَّا رَجَعُوٓاْ إِلَىٰٓ أَبِيهِمۡ قَالُواْ يَـٰٓأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا ٱلۡكَيۡلُ فَأَرۡسِلۡ مَعَنَآ أَخَانَا نَكۡتَلۡ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ} (63)

قوله تعالى : { فَلَمَّا رَجِعُوا إلى أَبِيهِمْ قَالُواْ ياأبانا مُنِعَ مِنَّا الكيل } فيه قولان :

أحدهما : أنَّهُم لما طلبوا الطعام لأبيهم وللأخ الباقي عند أبيهم ، منعوا منه .

والثاني : أنَّه منع الكيل في المستقبلِ ، وهو قول يوسف : { فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلاَ كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلاَ تَقْرَبُونِ } [ يوسف : 60 ] ، قال الحسنُ رحمه الله : معناه : يمنعُ منَّا الكيل إنْ لم نحمل أخانا معنا ، وهذا أولى ؛ لأنه لم يمنعهُم الكيل ؛ بل اكتالَ لهم ، وجهَّزهم ، ويدلُّ على ذلك قوله تعالى : { فَأَرْسِلْ مَعَنَآ أَخَانَا نَكْتَلْ } ، والمراد بالكَيْلِ : الطعامُ ؛ لأنه يكالُ .

قوله : " نَكْتَلْ " قرأ الأخوان : بالياءِ من تحتُ ، أي : يَكِيلُ أخونا .

والباقون بالنون ، أي : نَكِيلُ نحنُ ، وهو الطعامُ ، وهو مجزومٌ على جواب الأمرِ .

ويحكى أنَّه جرى بحضرةِ المتوكِّل ، أو وزيره ابن الزَّيات : بين المازنِيّ ، وابنِ السِّكيت مسألةٌ ، وهي : ما وزنُ " نَكْتَل " ؟ فقال يعقوبُ : نَفْتَل ، فَسَخِرَ بِهِ المازني وقال : إنَّما وزنُها نَفْتَعِل .

قال شهابُ الدِّين رحمه الله : " وهذا ليس بخطأح لأنَّ التَّصريفيين نصُّوا على أنَّه إذا كان في الكلمةِ حذفٌ أو قلبٌ حذفت في الزنة ، وقلبت ، فتقول في وزن : قُمْتُ ، وبعِْتُ : فُعْتُ ، وفِعْتُ ، ووزن " عِدَة " " عِلَة " ، وإن شئت أتيتَ بالأصل ؛ فعلى هذا لا خطأ في قوله : وزن " نَكْتَلْ " : نَفْتَل ؛ لأنه اعتبر اللفظ ، لا الأصل ، ورأيت في بعض الكتب أنَّ وزنها : " نَفْعَل " بالعينِ ، وهذا خطأٌ محضٌ ، على أنَّ الظاهر من أمر يعقوب أنه لم يتقنْ هذا ، ولو أتقنه لقال : وزنه على الأصل كذا ، وعلى اللفظ كذا ، ولذلك أنحى عليه المازنيُّ ، فلم يرد عليه بشيء " .

ثم قال سبحانه وتعالى : { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } ضمنوا كونهم حافظين له : لما قالوا ذلك ، قال يعقوب عليه الصلاة والسلام { هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ على أَخِيهِ مِن قَبْلُ } والمعنى : أنكم ذكرتم مثل هذا الكلام في يوسف ، وضمنتم لي حفظه حيث قلت : { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } وهاهنا ذكرتم هذا اللفظ بعينه ، فهل يكون هاهنا إلا ما كان هناك ، فكما لا يحصل الأمانُ هناك لا يحصلُ هنا .