جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{فَلَمَّا رَجَعُوٓاْ إِلَىٰٓ أَبِيهِمۡ قَالُواْ يَـٰٓأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا ٱلۡكَيۡلُ فَأَرۡسِلۡ مَعَنَآ أَخَانَا نَكۡتَلۡ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ} (63)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَلَمّا رَجِعُوا إِلَىَ أَبِيهِمْ قَالُواْ يَأَبَانَا مُنِعَ مِنّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَآ أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ } .

يقول تعالى ذكره : فلما رجع إخوة يوسف إلى أبيهم ، قالوا : يا أبانا مُنِعَ مِنّا الكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أخانا نَكْتَلْ يقول : مُنع منا الكيل فوق الكيل الذي كيل لنا ، ولم يُكَل لكل رجل منا إلا كيل بعير ، فأرسل معنا أخانا بنيامين يكتل لنفسه كيل بعير آخر زيادة على كيل أباعرنا . وَإنّا لُحَافِظُونَ من أن يناله مكروه في سفره .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السديّ : فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا : يا أبانا إن ملك مصر أكرمنا كرامة مّا لو كان رجل من ولد يعقوب ما أكرمنا كرامته ، وإنه ارتهن شمعون ، وقال : ائتوني بأخيكم هذا الذي عكف عليه أبوكم بعد أخيكم الذي هلك ، فإن لم تأتوني به فلا تقربوا بلادي . قال يعقوب : هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إلاّ كَمَا أمِنْتُكُمْ على أخِيهِ مِنْ قَبْلُ فاللّهُ خَيْرٌ حافِظا وَهُوَ أرْحَمُ الرّاحِمِينَ قال : فقال لهم يعقوب : إذا أتيتم ملك مصر فاقرئوه مني السلام ، وقولوا : إن أبانا يصلّي عليك ، ويدعو لك بما أوليتنا .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : خرجوا حتى قدموا على أبيهم ، وكان منزلهم فيما ذكر لي بعض أهل العلم بالعَرَبات من أرض فلسطين بغَوْر الشام . وبعض يقول : بالأولاج من ناحية الشّعب أسفل من حِسْمَى ، وكان صاحب بادية له شاءٌ وإبل ، فقالوا : يا أبانا قدمنا على خير رجل أنزلنا فأكرم منزلنا وكال لنا فأوفانا ولم يبخسنا ، وقد أمرنا أن نأتيه بأخ لنا من أبينا ، وقال : إن أنتم لم تفعلوا فلا تقربُنّي ولا تدخلُنّ بلدي فقال لهم يعقوب : هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إلاّ كمَا أمِنْتُكُمْ على أخِيهِ مِنْ قَبْلُ فاللّهُ خَيْرٌ حافِظا وَهُوَ أرْحَمُ الرّاحِمِينَ .

واختلفت القراء في قراءة قوله : نَكْتَلْ ، فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل المدينة وبعض أهل مكة والكوفة نَكْتَلْ بالنون ، بمعنى : نكتل نحن وهو . وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة : «يَكْتَلْ » بالياء ، بمعنى يكتل هو لنفسه كما نكتال لأنفسنا .

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان متفقتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب . وذلك أنهم إنما أخبروا أباهم أنه مَنَع منهم زيادة الكيل على عدد رءوسهم ، فقالوا : يا أبانَا مُنِعَ مِنّا الكَيْلُ ثم سألوه أن يرسل معهم أخاهم ليكتال لنفسه ، فهو إذن اكتال لنفسه واكتالوا هم لأنفسهم ، فقد دخل الأخ في عَدَدهم . فسواء كان الخبر بذلك عن خاصة نفسه ، أو عن جميعهم بلفظ الجميع ، إذ كان مفهوما معنى الكلام وما أريد به .