التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{إِنَّا مَكَّنَّا لَهُۥ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَءَاتَيۡنَٰهُ مِن كُلِّ شَيۡءٖ سَبَبٗا} (84)

التمكين : جعل الشيء متمكناً ، أي راسخاً ، وهو تمثيل لقوّة التصرف بحيث لا يزعزع قوته أحد . وحق فعل ( مكنّا ) التعدية بنفسه ، فيقال : مكّناه في الأرض كقوله { مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم } [ الأنعام : 6 ] .

اللام في قوله : { مَكَّنَّا لَهُ في الأَرْضِ } للتوكيد كاللام في قولهم : شكرت له ، ونصحت له ، والجمْع بينهما تفنن . وعلى ذلك جاء قوله تعالى : { مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم } [ الأنعام : 6 ] .

فمعنى التمكين في الأرض إعطاء المقدرة على التصرف .

والمراد بالأرض أهل الأرض ، والمراد بالأرض أرض معينة وهي أرض مُلكه . وتقدم عند قوله تعالى : { وكذلك مكنا ليوسف في الأرض } [ يوسف : 56 ] .

والسبب : حقيقته الحبل ، وأطلق هنا على ما يتوسل به إلى الشيء من علم أو مقدرة أو آلات التسخير على وجه الاستعارة كقوله تعالى : { وتقطعت بهم الأسباب } في سورة البقرة ( 166 ) .

و { كُلّ شَيْءٍ } مستعمل هنا في الأشياء الكثيرة كما تقدم في نظائره غير مرة منها قوله تعالى : { ولو جاءتهم كل آية } [ يونس : 97 ] أي آتيناه وسائل أشياء عظيمة كثيرة .