السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّا مَكَّنَّا لَهُۥ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَءَاتَيۡنَٰهُ مِن كُلِّ شَيۡءٖ سَبَبٗا} (84)

واختلفوا في نبوّته مع الاتفاق على إيمانه فقال بعضهم : كان نبياً واحتجوا على ذلك بوجوه ، الأول : قوله تعالى : { إنا مكنا له في الأرض } وحمل على التمكين في الدنيا والتمكين الكامل في الدين هو النبوّة ، الثاني : قوله تعالى : { وآتيناه من كل شيء سبباً } وهذا يدل على أنه تعالى آتاه من النبوّة سبباً ، الثالث : قوله تعالى : { يا ذا القرنين إما أن تعذب } الخ والذي يتكلم اللّه معه لا بد أن يكون نبياً ومنهم من قال : إنه كان عبداً صالحاً ملكه اللّه تعالى الأرض وأعطاه اللّه سبحانه وتعالى الملك والحكمة وألبسه الهيبة وقد قالوا : ملك الأرض مؤمنان ذو القرنين وسليمان وكافران نمروذ وبختنصر ومنهم من قال : إنه كان ملكاً من الملائكة ، عن عمر رضي اللّه تعالى عنه أنه سمع رجلاً يقول : يا ذا القرنين فقال : اللهم غفراً أما رضيتم أن تتسموا بأسماء الأنبياء حتى تسميتم بأسماء الملائكة ، والأكثر على القول الثاني ، ويدل له قول عليّ رضي اللّه تعالى عنه المتقدم .

تنبيه : قد قدّمنا أنّ اليهود أمروا المشركين أن يسألوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن قصة أصحاب الكهف وعن قصة ذي القرنين وعن الروح ، والمراد من قوله تعالى : { ويسألونك عن ذي القرنين } هو ذلك السؤال ، ثم قال اللّه تعالى : { قل } أي : لهؤلاء المتعنتين { سأتلو } أي : أقص قصاً متتابعاً في مستقبل الزمان أعلمني اللّه تعالى به { عليكم } أي : أيها البعداء ، والضمير في قوله تعالى : { منه } لذي القرنين وقيل للّه تعالى { ذكراً } أي : خبراً كافياً لكم في تعرّف أمره جامعاً لمجامع ذكره

{ إنا مكنا له في الأرض } أي : مكنا له أمره من التصرّف فيها مكنة يصل بها إلى جميع مسالكها ويظهر بها على سائر ملوكها { وآتيناه } بعظمتنا { من كل شيء } يحتاج إليه في ذلك { سبباً } أي : وصله توصله إليه من العلم والقدرة والآلة .