اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّا مَكَّنَّا لَهُۥ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَءَاتَيۡنَٰهُ مِن كُلِّ شَيۡءٖ سَبَبٗا} (84)

قوله : " إنَّا مكَّنا له " .

ومعنى " مكنَّا لهُ " : أوطأنا ، والتمكينُ : تمهيد الأسباب قال عليٌّ : سخَّر له السَّحاب ، فحمله عليه ، ومدَّ له في الأسباب ، وبسط له في النُّورِ ، وكان اللَّيلُ والنهار عليه سواء ، فهذا معنى تمكنيه في الأرض ؛ وأنه سهَّل عليه السير فيها ، وذلل له طريقها .

وهذا التَّمكينُ بسبب النبوة ، ويحتمل أن يكون المراد التمكين بسبب الملكِ من حيث إنه ملك مشارق العالم ومغاربه ، والأول أولى ؛ لأنَّ التمكينَ بسبب النبوّة أعلى من التمكين بسبب الملك ، وحمل كلام الله تعالى على الوجه الأكمل الأفضل أولى ، ثم قال : { وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } قالوا : السبب في أصل اللغة عبارة عن الحبل ، ثم استعير لكل ما يتوصل به إلى المقصود ، وهو يتناول العلم والقدرة والآلة ، فلذلك قيل : " وآتيناه من كل شيء " ما يستعين به الملوك على فتح المدن ، ومحاربة الأعداء " سبباً " أي : علماً يتسبب به إلى كل ما يريد ويسير به في أقطار الأرض ، وقيل : قرَّبنا له أقطار الأرض .

واستدلوا بعموم قوله : { وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً } على أنه كان نبيًّا كما تقدَّم ، ومن أنكر نبوته قال : المعنى : وآتيناه من كلِّ شيءٍ يحتاجُ إلى إصلاح ملكه إلاَّ أن تخصيص العموم خلاف الظاهر ، فلا يصار إليه إلاَّ بدليلٍ .