التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِيٓ إِلَيۡهِ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدُونِ} (25)

لما أظهر لرسوله أن المعاندين لا يعلمون الحق لإعراضهم عن تلقّيه أقبل على رسوله صلى الله عليه وسلم بتأييد مقاله الذي لقّنه أن يجيبهم به وهو قوله تعالى : { قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي } [ الأنبياء : 24 ] ، فأفادهُ تعميمه في شرائع سائر الرسل سواء من أنزل عليه كتاب ومن لم ينزل عليه كتاب ، وسواء من كان كتابه باقياً مثل موسى وعيسى وداود ومن لم يبق كتابه مثل إبراهيم .

وليس ذكر هذه الجملة لمجرد تقرير ما قبلها من آي التوحيد وإن أفادت التقرير تبعاً لفائدتها المقصودة . وفيها إظهارٌ لعناية الله تعالى بإزالة الشرك من نفوس البشر وقطع دابره إصلاحاً لعقولهم بأن يُزال منها أفظع خطل وأسخف رأي ، ولم تَقطع دابرَ الشرك شريعةٌ كما قطعه الإسلام بحيث لم يحدث الإشراك في هذه الأمَّة .

وحرف ( مِن ) في قوله تعالى { مِن رسول } مزيد لتوكيد النفي .

وفرع فيما أوحي إليهم أمرَه إياهم بعبادته على الإعلان بأنه لا إله غيره ، فكان استحقاق العبادة خاصاً به تعالى .

وقرأ الجمهور { إلاّ يُوحى إليه } بمثناة تحتية مبنياً للنائب ، وقرأه حفص وحمزة والكسائي بالنون مبنياً للفاعل ، والاستثناءُ المفرّع في موضع الحال .