التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{۞يَسۡتَبۡشِرُونَ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (171)

ضمير { يستبشرون بنعمة من الله } يجوز أن يعود إلى الذين لم يلحقوا بهم فتكون الجملة حالاً من الذين لم يلحقوا بهم أي لا خوف عليهم ولا حزن فهم مستبشرون بنعمة من الله ، ويحتمل أن يكون تكريراً لقوله : { ويستبشرون بالذين لم يلحقوا } والضمير ل { الذين قُتِلوا في سبيل الله } ، وفائدة التكرير تحقيق معنى البشارة كقوله : { ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا } [ القصص : 63 ] فكرّر أغويناهم ، ولأنّ هذا استبشار منه عائد لأنفسهم ، ومنه عائد لرفاقهم الذين استجابوا لله من بعد القرح ، والأولى عائدة لإخوانهم . والنعمة : هي ما يكون به صلاح ، والفضل : الزيادة في النعمة .

وقوله : { وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين } قرأه الجمهور بفتح همزة ( أنّ ) على أنه عطف على { نعمةٍ من الله وفضلٍ } ، والمقصود من ذلك تفخيم ما حصل لهم من الاستبشار وانشراح الأنفس بأنْ جمع الله لهم المسرّة الجثمانية الجزئية والمسرّة العقليّة الكلية ، فإنّ إدراك الحقائق الكلية لذّة روحانية عظيمة لشرف الحقائق الكلية وشرف العلم بها ، وحصول المسرّة للنفس من انكشافها لها وإدراكها ، أي استبشروا بأنّ عَلِموا حقيقة كليّة وسرّاً جليلاً من أسرار العِلم بصفات الله وكمالاته ، التي تعمّ آثارها ، أهل الكمال كلَّهم ، فتشمل الذين أدركوها وغيرهم ، ولولا هذا المعنى الجليل لم يكن داع إلى زيادة { وأن الله لا يضيع أجرالمؤمنين } إذ لم يحصل بزيادته زيادةُ نعمة وفضل للمستبشرين مِن جنس النعمة والفضل الأولين ، بل حصلت نعمة وفضل آخران .

وقرأه الكسائي بكسر همزة ( إنّ ) على أنه عطف على جملة { يستبشرون } في معنى التذييل فهو غير داخل فيما استبشر به الشهداء . ويجوز أن تكون الجملة على هذا الوجه ابتداء كلام ، فتكون الواو للاستئناف .