لما بَيَّنَ - تعالى - أنهم يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم ، بيَّن - هنا - أنهم يستبشرون لأنفسهم بما رُزِقوا من النعيم ، ولذلك أعاد لفظَ لاستبشارِ .
فإن قيلَ : أليس الذي ذكر فَرَحَهم بأحوالِ أنفسهم - والفرحُ عينُ الاستبشارِ - فلزم التكرارُ ؟ فالجوابُ من وجهين :
أحدهما : أن الاستبشارَ هو الفرحُ التامُّ ، فلا يلزم التكرارُ .
الثاني : لَعَلَّ المرادَ حصولُ الفرحِ بما حصل في الحالِ ، وحصولُ الاستبشارِ بما عرفوا أنّ النعمةَ العظيمةَ تحصل لهم في الآخرةِ .
فإن قيلَ : ما الفرقُ بين النعمةِ والفَضْلِ ، فإنَّ العطفَ يقتضي المغايرةَ ؟
فالجواب : أن النعمةَ هي الثواب ، والفَضْل : هو التفضُّل الزائد .
وقيل : النعمة : المغفرة ، والفَضْل : الثواب الزائد .
روى الترمذيّ عن المقدام بن معد يكرب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لِلشَّهِيْدِ عِنْدَ اللهِ سِتُّ خَصَالٍ : يُغْفَرُ لَهُ ، ويَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، ويُجارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَيأمَنُ الْفَزَعَ الأكْبَرَ ، وَيُوضَعٌُ عَلَى رَأسِهِ تَاجُ الْوقارِ ، الْيَاقُوَتَةُ مِنْهُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، ويُزَوَّج اثنتينِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الحُورِ العِينِ ، وَيَشْفَعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أقارِبِه " {[6189]} ، قال : هذا حديثٌ حَسَنٌ ، صحيحٌ ، غريبٌ ، وهذا تفسيرُ النعمةِ والفضلِ ، وهذا في الترمذيِّ وابن ماجه ستٌّ ، وهي في العدد سبعةٌ .
وهذه الآية تدلُّ على أنّ الإنسانَ يكون فَرحُهُ واستبشارُهُ - بصلاحِ حالِ إخوانِهِ - أتم من استبشاره بسَعَادةِ نَفْسِهِ ، لأنهُ - تعالى - مدَحَهم على ذلك بكونهم أوَّلَ ما استبشروا فرحوا بإخوانهم ، ثم ذكر - بعده - استبشارهم بأنفسهم ، فقال : { يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ } .
قوله : { وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ } قرأ الكِسائيُّ بِكَسْرِ " أن " على الاستئنافِ{[6190]} .
وقال الزمخشري : إن قراءة الكسرِ اعتراضٌ .
واستشكلَ كونها اعتراضاً ؛ لأنها لم تقع بين شيئين متلازمين .
ويمكن أن يُجاب عنه بأن " الذين استجابوا " يجوز أن يكون تابعاً ل " الذين لم يلحقوا " - نعتاً ، أو بدلاً ، على ما سيأتي - فعلى هذا لا يتصور الاعتراض .
ويؤيدُ كونها للاستئناف قراءةُ عبد الله ومصحفُه : والله لا يضيع{[6191]} ، وقرأ باقي{[6192]} السبعةِ بالفتحِ ؛ عَطْفاً على قوله : " بنعمة " لأنها بتأويل مصدر ، أي : يستبشرون بنعمةٍ من الله وفضل منه وعدم إضاعةِ الله أجْرَ المؤمنين .
فإن قيل : لم قال : " يستبشرون " من غير عطف ؟
أحدها : أنه استئنافٌ متعلِّقٌ بهم أنفسهم ، دون { الذين لم يلحقوا بهم } لاختلافِ متعلِّقٍ البشارتين .
الثاني : أنه تأكيدٌ للأولِ ؛ لأنه قصد بالنعمة والفضل بيانَ مُتَعَلِّقِ الاستبشارِ الأولِ ، وإليهِ ذَهَبَ الزمخشري .
الثالثُ : انه بدلٌ من الفعل الأول ، ومعنى كونه بدلاً : أنه لما كان متعلقه بياناً لمتعلق الأول حَسُن أن يقال : بدل منه ، وإلا فكيف يبدل فعلٌ من فعل موافقٍ له لفظاً ومعنًى ؟ وهذا في المعنى يئول إلى وجه التأكيد .
الرابعُ : أنه حال من فاعل " يحزنون " و " يحزنون " عاملٌ فيه ، أي : ولا هم يحزنون حال كونهم مستبشرين بنعمة . وهو بعيدٌ ، لوجهين :
أحدهما : أن الظاهر اختلافُ مَنْ نفي عنه الحُزْن ومن استبشرَ .
الثاني : أن نفي الحزن ليس مقيَّداً ليكون أبلغ في البشارة ، والحال قَيْدٌ فيه ، فيفوت هذا المعنى .
والمقصودُ - من هذا الكلام - أن إيصال الثواب العظيم إلى الشهداء ليس مخصوصاً بهم ، بل كل مؤمنٍ يستحق شيئاً من الأجر والثوابِ ، فإن الله تعالى يوصِّل ثوابه إليه ، ولا يُضيعه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.