فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{۞يَسۡتَبۡشِرُونَ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (171)

{ وَيَسْتَبْشِرُونَ بالذين لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم } من إخوانهم المجاهدين الذين لم يقتلوا إذ ذاك . فالمراد باللحوق هنا : أنهم لم يلحقوا بهم في القتل ، والشهادة ؛ بل سيلحقون بهم من بعد . وقيل المراد : لم يلحقوا بهم في الفضل ، وإن كانوا أهل فضل في الجملة ، والواو في : { وَيَسْتَبْشِرُونَ } عاطفة على : { يُرْزَقُونَ } أي : يرزقون ، ويستبشرون ، وقيل المراد : بإخوانهم هنا : جميع المسلمين الشهداء ، وغيرهم ؛ لأنهم لما عاينوا ثواب الله ، وحصل لهم اليقين بحقية دين الإسلام استبشروا بذلك لجميع أهل الإسلام الذين هم أحياء لم يموتوا ، وهذا أقوى ، لأن معناه أوسع ، وفائدته أكثر ، واللفظ يحتمله بل هو الظاهر ، وبه قال الزجاج ، وابن فورك . وقوله : { أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } بدل من الذين ، أي : يستبشرون بهذه الحالة الحاصلة لإخوانهم من أنه لا خوف عليهم ، ولا حزن ، و «أن » هي : المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن المحذوف ، وكرر قوله : { يَسْتَبْشِرُونَ } لتأكيد الأوّل ، ولبيان أن الاستبشار ليس لمجرد عدم الخوف ، والحزن ، بل به ، وبنعمة الله ، وفضله . والنعمة : ما ينعم الله به على عباده . والفضل : ما يتفضل به عليهم ، وقيل النعمة : الثواب ، والفضل الزائد ، وقيل : النعمة الجنة ، والفضل داخل في النعمة ذكر بعدها لتأكيدها ، وقيل : إن الاستبشار الأوّل متعلق بحال إخوانهم ، والاستبشار الثاني بحال أنفسهم . قوله : { وَأَنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المؤمنين } قرأ الكسائي بكسر الهمزة من «أن » ، وقرأ الباقون بفتحها فعلى القراءة الأولى هو : مستأنف اعتراض . وفيه دلالة على أن الله لا يضيع أجر شيء من أعمال المؤمنين ، ويؤيده قراءة ابن مسعود ، «والله لا يضيع أجر المؤمنين » . وعلى القراءة الثانية الجملة عطف على فضل داخلة في جملة ما يستبشرون به .

/خ175