الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{۞يَسۡتَبۡشِرُونَ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (171)

قوله تعالى : { وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ } : قرأ الكسائي بكسر " إنَّ " على الاستئناف . وقال الزمخشري : " إنَّ قراءةَ الكسرِ اعتراضٌ " واسشكل كونَها اعتراضاً ، لأنَّها لم تقع بين شيئين متلازمين " ويمكن أن يُجاب عنه بأن " الذين استجابوا " يجوز أن يكون تابعاً ل " الذين لم يلحقوا " نعتاً أو بدلاً على ما سيأتي ، فعلى هذا يُتَصَوَّرُ الاعتراض . ويؤيِّد كونَها للاستئنافِ قراءةُ عبد الله ومصحفه : " والله لا يُضيع " . وقرأ باقي السبعة بالفتح عطفاً على قوله : " بنعمةٍ " لأنها بتأويل مصدر أي : يستبشرون بنعمة من الله وفضلٍ منه وعدمِ إضاعةِ اللهِ أجرَ المؤمنين .

وقوله : { يَسْتَبْشِرُونَ } من غيرِ حرف عطف فيه أوجه ، أحدها : أنه استئنافٌ متعلِّق بهم أنفسِهم دونَ " الذين لم يلحقوا بهم " لاختلاف متعلَّق البشارتين . والثاني : أنه تأكيدٌ للأول لأنه قَصَد بالنعمة والفضل بيانَ متعلَّق الاستبشار الأول ، وإليه ذهب الزمخشري . الثالث : أنه بدل من الفعل الأول ، ومعنى كونه بدلاً أنه لَمَّا كان متعلَّقُه بياناً لمتعلَّق الأول حَسُن أن يقال : بدلٌ منه ، وإلاَّ فكيف يُبْدَلُ فِعْلٌ مِنْ فعلٍ موافقٍ له لفظاً ومعنى ؟ وهذا في المعنى يََؤُول إلى وجه التأكيد . والرابع : أنه حال من فاعل " يحزنون " ، ويحزنون عامل فيه أي : ولاهم يحزنون حالَ كونهم مستبشرين بنعمة . وهو بعيدٌ لوجهين ، أحدهما : أنَّ الظاهرَ اختلافُ مَنْ نَفَى عنه الحزن ومن استَبْشَر . والثاني : أنَّ نَفْيَ الحزن ليس مقيداً ليكون أبلغَ في البشارة ، والحالُ قيدٌ فيه فيفوتُ هذا المعنى .