الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{۞يَسۡتَبۡشِرُونَ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (171)

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله { يستبشرون بنعمة من الله وفضل . . . } الآية . قال : هذه الآية جمعت المؤمنين كلهم سوى الشهداء ، وقلما ذكر الله فضلا ذكر به الأنبياء وثوابا أعطاهم إلا ذكر ما أعطى المؤمنين من بعدهم .

وأخرج الحاكم وصححه عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه " سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا ذكر أصحاب أحد : والله لوددت أني غودرت مع أصحابي بنحص الجبل " نحص الجبل أصله .

وأخرج الحاكم وصححه عن جابر قال " فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة حين فاء الناس من القتال فقال رجل : رأيته عند تلك الشجرات وهو يقول : أنا أسد الله وأسد رسوله ، اللهم أبرأ مما جاء به هؤلاء . أبو سفيان وأصحابه ، وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء بانهزامهم . فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه ، فلما رأى جثته بكى ، ولما رأى ما مثل به شهق ثم قال : ألا كفن ؟ فقام رجل من الأنصار فرمى بثوب عليه ، ثم قام آخر فرمى بثوب عليه ، ثم قال جابر : هذا الثوب لأبيك وهذا لعمي ، ثم جيء بحمزة فصلى عليه ثم يجاء بالشهداء فتوضع إلى جانب حمزة فيصلى عليهم يرفع ويترك حمزة حتى صلى على الشهداء كلهم قال : فرجعت وأنا مثقل قد ترك أبي علي دينا وعيالا ، فلما كان عند الليل أرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا جابر إن الله أحيا أباك وكلمه قلت : وكلمه كلاما ! قال : قال له : تمن . . . . فقال : أتمنى أن ترد روحي وتنشئ خلقي كما كان ، وترجعني إلى نبيك فأقاتل في سبيلك فأقتل مرة أخرى . قال : إني قضيت أنهم لا يرجعون وقال : قال صلى الله عليه وسلم : سيد الشهداء عند الله يوم القيامة حمزة " .

وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن أنس قال " كفن حمزة في نمرة كانوا إذا مدوها على رأسه خرجت رجلاه ، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يمدوها على رأسه ويجعلوا على رجليه من الإذخر وقال : لولا أن تجزع صفية لتركنا حمزة فلم ندفنه حتى يحشر من بطون الطير والسباع " .

وأخرج ابن أبي شيبة عن كعب بن مالك " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد : من رأى مقتل حمزة ؟ فقال رجل : أنا . . . . قال : فانطلق فأرناه . فخرج حتى وقف على حمزة فرآه قد بقر بطنه وقد مثل به ، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينظر إليه ووقف بين ظهراني القتلى وقال : أنا شهيد على هؤلاء القوم لفوهم في دمائهم ، فإنه ليس جريح يجرح إلا جرحه يوم القيامة يدمى ، لونه لون الدم وريحه ريح المسك ، قدموا أكثر القوم قرآنا فاجعلوه في اللحد " .

وأخرج النسائي والحاكم وصححه عن سعد بن أبي وقاص " أن رجلا جاء إلى الصلاة والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بنا فقال حين انتهى إلى الصف : اللهم آتني أفضل ما تؤتي عبادك الصالحين ، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قال : من المتكلم آنفا ؟ فقال : أنا . . . . فقال : إذن يعقر جوادك وتستشهد في سبيل الله " .

وأخرج أحمد ومسلم والنسائي والحاكم عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يؤتى بالرجل من أهل الجنة فيقول الله له : يا ابن آدم كيف وجدت منزلك ؟ فيقول : أي رب خير منزل فيقول : سل وتمن فيقول : أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل في سبيلك عشر مرات لما رأى من فضل الشهادة . قال : ويؤتى بالرجل من أهل النار فيقول الله : يا ابن آدم كيف وجدت منزلك ؟ فيقول : أي رب شر منزل فيقول : فتفتدي منه بطلاع الأرض ذهبا ؟ فيقول : نعم . فيقول : كذبت قد سألتك دون ذلك فلم تفعل " .

وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عرض علي أول ثلاثة يدخلون الجنة ، وأول ثلاثة يدخلون النار ، فأما أول ثلاثة يدخلون الجنة فالشهيد ، وعبد مملوك أحسن عبادة ربه ونصح لسيده ، وعفيف متعفف ذو عيال . وأما أول ثلاثة يدخلون النار فأمير مسلط ، وذو ثروة من مال لا يؤدي حق الله في ماله ، وفقير فخور " .

وأخرج الحاكم عن سهل بن أبي أمامة بن سهل عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أول ما يهراق من دم الشهيد يغفر له ذنوبه " .

وأخرج الحاكم وصححه عن أبي أيوب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صبر حتى يقتل أو يغلب لم يفتن في قبره " .

وأخرج ابن سعد وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري عن أنس . أن حارثة بن سراقة خرج نظارا فأتاه سهم فقتله فقالت أمه : يا رسول الله قد عرفت موضع حارثة مني فإن كان في الجنة صبرت وإلا رأيت ما أصنع ؟ قال : يا أم حارثة إنها ليست بجنة ولكنها جنان كثيرة ، وإن حارثة لفي أفضلها . أو قال : في أعلى الفردوس .

وأخرج أحمد والنسائي عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما على الأرض من نفس تموت ولها عند الله خير تحب أن ترجع إليكم إلا القتيل في سبيل الله ، فإنه يحب أن يرجع فيقتل مرة أخرى " .

وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والبيهقي في الشعب عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما من أهل الجنة أحد يسره أن يرجع إلى الدنيا وله عشر أمثالها إلا الشهيد ، فإنه ود أنه لو رد إلى الدنيا عشر مرات فاستشهد لما يرى من فضل الشهادة " .

وأخرج ابن سعد وأحمد والبيهقي عن قيس الجذامي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن للقتيل عند الله ست خصال : تغفر له خطيئته في أول دفعة من دمه ، ويجار من عذاب القبر ، ويحلى حلة الكرامة ، ويرى مقعده من الجنة ، ويؤمن من الفزع الأكبر ، ويزوج من الحور العين " .

وأخرج الترمذي وصححه وابن ماجة والبيهقي عن المقدام بن معد يكرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن للشهيد عند الله خصالا . يغفر له في أول دفعة من دمه ، ويرى مقعده من الجنة ، ويحلى عليه حلية الإيمان ، ويجار من عذاب القبر ، ويأمن يوم الفزع الأكبر ، ويوضع على رأسه تاج الوقار ، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها ، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ، ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه " .

وأخرج أحمد والطبراني من حديث عبادة بن الصامت . مثله .

وأخرج البزار والبيهقي والأصبهاني في ترغيبه بسند ضعيف عن أنس بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الشهداء ثلاثة : رجل خرج بنفسه وماله محتسبا في سبيل الله يريد أن لا يقتل ولا يقتل ولا يقاتل ، يكثر سواد المؤمنين ، فإن مات وقتل غفرت له ذنوبه كلها ، وأجير من عذاب القبر ، وأومن من الفزع الأكبر ، وزوج من الحور العين ، وحلت عليه حلة الكرامة ، ووضع على رأسه تاج الوقار والخلد . والثاني رجل خرج بنفسه وماله محتسبا يريد أن يقتل ولا يقتل ، فإن مات أو قتل كانت ركبته مع ركبة إبراهيم خليل الرحمن بين يدي الله في مقعد صدق عند مليك مقتدر . والثالث رجل خرج بنفسه وماله محتسبا يريد أن يقتل ويقتل ، فإن مات أو قتل جاء يوم القيامة شاهرا سيفه واضعه على عاتقه والناس جاثون على الركب يقول : ألا أفسحوا لنا مرتين . فإنا قد بذلنا دماءنا وأموالنا لله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لو قال ذلك لإبراهيم خليل الرحمن ، أو لنبي من الأنبياء لتنحى لهم عن الطريق لما يرى من واجب حقهم ، حتى يأتوا منابر من نور عن يمين العرش ، فيجلسون فينظرون كيف يقضي بين الناس ، لا يجدون غم الموت ، ولا يغتمون في البرزخ ، ولا تفزعهم الصيحة ، ولا يهمهم الحساب ، ولا الميزان ولا الصراط ، ينظرون كيف يقضي بين الناس ، ولا يسألون شيئا إلا أعطوا ، ولا يشفعون في شيء إلا شفعوا ، ويعطون من الجنة ما أحبوا ، وينزلون من الجنة حيث أحبوا " .

وأخرج أحمد والطبراني وابن حبان والبيهقي عن عتبة بن عبد السلمي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " القتلى ثلاثة : رجل مؤمن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله ، حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يقتل ، فذاك الشهيد الممتحن في خيمة الله تحت عرشه لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة . ورجل مؤمن قرف على نفسه من الذنوب والخطايا ، جاهد بماله ونفسه في سبيل الله حتى إذا لقي العدو قاتل حتى يقتل ، فتلك ممصمصة تحط من ذنوبه وخطاياه . إن السيف محاء للخطايا ، وأدخل من أي أبواب الجنة شاء ، فإن لها ثمانية أبواب ، ولجهنم سبعة أبواب ، وبعضها أفضل من بعض . ورجل منافق جاهد بنفسه وماله ، حتى إذا لقي العد قاتل في سبيل الله حتى يقتل ، فإن ذلك في النار ، إن السيف لا يمحو النفاق " .

وأخرج أحمد والحاكم عن عبد الله بن عمرو بن العاص : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين " .

وأخرج أحمد عن عبد الله بن جحش " أن رجلا قال : يا رسول الله ما لي إن قتلت في سبيل الله ؟ قال : الجنة . فلما ولى قال : إلا الدين سارني به جبريل آنفا " .

وأخرج أحمد والنسائي عن ابن أبي عميرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من نفس مسلمة يقبضها ربها تحب أن ترجع إليكم وإن لها الدنيا وما فيها غير الشهيد " .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لأن أقتل في سبيل الله أحب إلي من أن يكون لي أهل الوبر والمدر " .

وأخرج الترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة وابن حبان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة " .

وأخرج الطبراني عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا وقف العباد للحساب جاء قوم واضعي سيوفهم على رقابهم تقطر دما فازدحموا على باب الجنة فقيل : من هؤلاء ؟ قيل : الشهداء كانوا مرزوقين " .

وأخرج أحمد وأبو يعلى والبيهقي في الأسماء والصفات عن نعيم بن همار " أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الشهداء أفضل ؟ قال : الذين أن يلقوا في الصف لا يلفتوا وجوههم حتى يقتلوا ، أولئك ينطلقون في العرف العالي من الجنة ، ويضحك إليهم ربهم . وإذا ضحك ربك إلى عبد في الدنيا فلا حساب عليه " .

وأخرج الطبراني عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أفضل الجهاد عند الله يوم القيامة الذين يلتقون في الصف الأول فلا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا ، أولئك يتلبطون في الغرف من الجنة يضحك إليهم ربك ، وإذا ضحك إلى قوم فلا حساب عليهم " .

وأخرج ابن ماجة عن أبي هريرة قال : " ذكر الشهيد عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " لا تجف الأرض من دم الشهيد حتى تبتدره زوجتاه كأنهما ظئران أضلتا فصيلهما في براح من الأرض ، وفي يد كل واحدة منهما حلة خير من الدنيا وما فيها " .

وأخرج النسائي عن راشد بن سعد عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم " أن رجلا قال : يا رسول الله ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد ؟ قال : كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة " .

وأخرج الحاكم وصححه عن أنس " أن رجلا أسود أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني رجل أسود ، منتن الريح ، قبيح الوجه ، لا مال لي ، فإن أنا قاتلت هؤلاء حتى أقتل فأين أنا ؟ قال : في الجنة . فقاتل حتى قتل . فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : قد بيض الله وجهك ، وطيب ريحك ، وأكثر مالك . وقال لهذا أو لغيره : لقد رأيت زوجته من الحور العين نازعته جبة له صوفا تدخل بينه وبين جبته " .

وأخرج البيهقي عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بخباء أعرابي وهو في أصحابه يريدون الغزو ، فرفع الأعرابي ناحية من الخباء فقال : من القوم ؟ فقيل : رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يريدون الغزو ، فسار معهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده إنه لمن ملوك الجنة . فلقوا العدو فاستشهدوا خبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتاه فقعد عند رأسه مستبشرا يضحك ثم أعرض عنه . فقلنا : يا رسول الله رأيناك مستبشرا تضحك ثم أعرضت عنه ؟ ! فقال : أما ما رأيتم من استبشاري فلما رأيت من كرامة روحه على الله ، وأما إعراضي عنه فإن زوجته من الحور العين الآن عند رأسه " .

وأخرج عناد في الزهد وعبد بن حميد والطبراني عن عبد الله بن عمرو قال " أن أول قطرة تقطر من دم الشهيد يغفر له بها ما تقدم من ذنبه ، ثم يبعث الله ملكين بريحان من الجنة وريطة من الجنة ، وعلى أرجاء السماء ملائكة يقولون : سبحان الله قد جاء من الأرض اليوم ريح طيبة ونسمة طيبة . فلا يمر بباب إلا فتح له ، ولا يمر بملك إلا صلى عليه وشيعه ، حتى يؤتى به إلى الرحمن فيسجد له قبل الملائكة وتسجد الملائكة بعده ، ثم يأمر به إلى الشهداء فيجدهم في رياض خضر وقباب من حرير عند ثور وحوت يلعبان لهم كل يوم لعبة لم يلعبا بالأمس مثلها ، فيظل الحوت في أنهار الجنة فإذا أمسى وكزه الثور بقرنه فذكاه لهم ، فأكلوا من لحمه فوجدوا من لحمه طعم كل رائحة من أنهار الجنة ، ويبيت الثور نافشا في الجنة ، فإذا أصبح غدا عليه الحوت فوكزه بذنبه ، فأكلوا من لحمه فوجدوا في لحمه طعم كل ثمرة من ثمار الجنة ينظرون إلى منازلهم بكرة وعشية يدعون الله أن تقوم الساعة .

وإذا توفي المؤمن بعث الله إليه ملكين بريحان من ريحان الجنة وخرقة من الجنة تقبض فيها نفسه ، ويقال : اخرجي أيتها النفس المطمئنة إلى روح وريحان ورب عليك غير غضبان . فتخرج كأطيب رائحة وجدها أحد قط بأنفه ، وعلى أرجاء السماء ملائكة يقولون : سبحان الله قد جاء اليوم من الأرض ريح طيبة ونسمة طيبة . فلا يمر بباب إلا فتح له ، ولا بملك إلا صلى عليه وشيعه ، حتى يؤتى به إلى الرحمن . فتسجد الملائكة قبله ويسجد بعدهم ثم يدعى بميكائيل فيقول : اذهب بهذه النفس فاجعلها مع أنفس المؤمنين حتى أسألك عنهم يوم القيامة ، ويؤمر به إلى قبر ويوسع سبعين طوله وسبعين عرضه ، وينبذ له فيه ريحان ويشيد بالحرير ، فإن كان معه شيء من القرآن كسى نوره ، وإن لم يكن معه شيء من القرآن جعل له نور مثل الشمس ، فمثله كمثل العروس لا يوقظه إلا أحب أهله إليه .

وإن الكافرإذا توفي بعث الله إليه ملكين بخرقة من بجاد أنتن من كل نتن ، وأخشن من كل خشن ، فيقال : أخرجي أيتها النفس الخبيثة ولبئس ما قدمت لنفسك . فتخرج كأنتن رائحة وجدها أحد قط ، ثم يؤمر به في قبره فيضيق عليه حتى تختلف فيه أضلاعه ، ويرسل عليه حيات كأعناق البخت يأكلن لحمه ، وتقبض له ملائكة صم بكم عمي لا يسمعون له صوتا ولا يرونه ، فيرحمونه ولا يملون إذا ضربوا يدعون الله أن يديم ذلك عليه حتى يخلص إلى النار " .

وأخرج الطيالسي والترمذي وحسنه والبيهقي في الشعب عن عمر بن الخطاب " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الشهداء أربعة : فمؤمن جيد الإيمان لقي العدو فصدق الله فقاتل حتى يقتل ، فذلك الذي يرفع الناس إليه أعينهم ، ورفع رأسه حتى وقعت قلنسوة كانت على رأسه أو رأس عمر ، فهذا في الدرجة الأولى ، ورجل مؤمن جيد الإيمان إذا لقي العدو فكأنما يضرب جلده بشوك الطلح من الجبن ، أتاه سهم غرب فقتله فهذا في الدرجة الثانية ، ورجل مؤمن خلط عملا صالحا وآخر سيئا ، لقي العدو فصدق الله فقتل فهذا في الدرجة الثالثة ، ورجل أسرف على نفسه فلقي العدو فقاتل حتى يقتل ، فهذا في الدرجة الرابعة " .

وأخرج أبو داود وابن حبان عن أبي الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته " .

وأخرج الطبراني والبيهقي في البعث والنشور عن يزيد بن شجرة أنه كان يقول : إذا صف الناس للصلاة وصفوا للقتال فتحت أبواب السماء ، وأبواب الجنة ، وأبواب النار ، وزين الحور العين وأطلقن ، فإذا أقبل الرجل قلن اللهم انصره ، وإذا أدبر احتجبن عنه وقلن اللهم اغفر له . فأنهكوا وجوه القوم ، ولا تخزوا الحور العين ، فإن أول قطرة تقطر من دم أحدكم يكفر عنه كل شيء عمله ، وينزل إليه زوجتان من الحور العين يمسحان التراب عن وجهه ويقولان : قد أنالك ويقول : قد أنالكما . ثم يكسى مائة حلة ليس من نسج بني آدم ولكن من نبت الجنة ، لو وضعت بين أصبعين لوسعن . وكان يقول : إن السيوف مفاتيح الجنة .

وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي بكر محمد بن أحمد التميمي قال : سمعت قاسم بن عثمان الجوعي يقول : رأيت في الطواف حول البيت رجلا لا يزيد على قوله : اللهم قضيت حاجة المحتاجين وحاجتي لم تقض فقلت له : ما لك لا تزيد على هذا الكلام ؟ فقال : أحدثك . كنا سبعة رفقاء من بلدان شتى ، غزونا أرض العدو فاستؤسرنا كلنا ، فاعتزل بنا لتضرب أعناقنا ، فنظرت إلى السماء فإذا سبعة أبواب مفتحة عليها سبع جوار من الحور العين على كل باب جارية ، فقدم رجل منا فضربت عنقه ، فرأيت جارية في يدها منديل قد هبطت إلى الأرض حتى ضربت أعناق ستة وبقيت أنا ، وبقي باب وجارية . فلما قدمت لتضرب عنقي استوهبني بعض رجاله فوهبني له ، فسمعتها تقول : أي شيء فاتك يا محروم ! وأغلقت الباب ، وأنا يا أخي متحسر على ما فاتني . قال قاسم بن عثمان : أراه أفضلهم لأنه رأى ما لم يروا ، وترك يعمل على الشوق .

وأخرج أبو داود والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات واللفظ له عن ابن مسعود : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " عجيب ربنا من رجلين . رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي ، ورجل غزا في سبيل الله فانهزم أصحابه فعلم ما عليه في الإنهزام وما له في الرجوع فرجع حتى اهريق دمه . فيقول الله لملائكته : انظروا الى عبدي رجع رغبة فيما عندي ، وشفقة مما عندي حتى أهريق دمه " .

وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاثة يحبهم الله ، ويضحك إليهم ، ويستبشر بهم : الذي إذا انكشف فئة قاتل وراءها بنفسه لله عز وجل فإما أن يقتل ، وإما أن ينصره الله تعالى ويكفيه ، فيقول : انظروا إلى عبدي كيف صبر لي نفسه . والذي له امرأة حسناء ، وفراش لين حسن ، فيقوم من الليل فيذر شهوته فيذكرني ويناجيني ولو شاء رقد ، والذي إذا كان في سفر وكان معه ركب فسهروا ونصبوا ثم هجعوا فقام من السحر في سراء أو ضراء " .

وأخرج الحاكم وصححه عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من سأل الله القتل في سبيل الله صادقا ثم مات أعطاه الله أجر شهيد " .

وأخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم عن سهل ابن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه عن جده " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه " .

وأخرج أحمد ومسلم عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من طلب الشهادة صادقا أعطيها ولو لم تصبه " .