الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{۞يَسۡتَبۡشِرُونَ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (171)

{ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ } يعني وبأن الله في محل الخفض على قوله : { بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ } .

وقرأ الكسائي والفرّاء والمفضل ومحمد بن عيسى : ( وأن الله ) بكسر الألف على الاستثناء ، ودليلهم قراءة ابن مسعود { وَاللَّهُ } ( لا يضيع أجر المؤمنين ) .

قال الكلبي باسناده : إن العبد إذا لقى العدو في سبيل الله ، فتح له باب من السماء وأطلعت عليه زوجتاه من الحور العين ، فإذا أقبل على العدو يقاتلهم قالتا : اللهم وفقه وسدّده ، وإذا أدبر عن العدو قالتا : اللهم أعف وتجاوز ، فإذا قتل يباهي الله عزّ وجلّ به الملائكة فيقول لهم : انظروا إلى عبدي بذل نفسه ودمه ابتغاء مرضاتي ، فتقول الملائكة : يا ربّ أفلا تذهب فتنصره على من يريد قتله ؟ فيقول لهم : خلّوا عن عبدي ، فقد سهر ونصب في طلب مرضاتي ، أحبَّ لقائي وأحببت لقاءه . فينزل إليه زوجتاه من الحور العين ، ويأمر الله الملائكة أن يأتوه من آفاق الأرض ، فيحبونه ويبشرونه بالجنة والكرامة من الله تعالى ، فإذا فعلوا ذلك بعث الله إليهم : أن خلّوا بين عبدي وبين زوجته حتى يستريح ، فتقول زوجتاه : لقد كنا إليك بالأشواق ، ويقول لهما مثل ذلك .

وعن الحسين بن علي ( عليه السلام ) قال : " بينما علي بن أبي طالب يخطب الناس ويحثهم على الجهاد إذ قام إليه شاب وقال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن فضل الغزاة في سبيل الله ؟ قال : كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته العصباء ونحن منقلبون من غزوة ، فسألته عمّا سألتني عنه فقال صلى الله عليه وسلم " الغزاة إذا همّوا بالغزو كتب الله تعالى لهم براءة من النار ، فإذا تجهزوا لغزوهم باهى الله تعالى بهم الملائكة ، فإذا ودعهم أهلوهم بكت عليهم الحيطان والبيوت ، ويخرجون من ذنوبهم كما تخرج الحية من سلخها ، يوكل عزّ وجلّ بكل رجل منهم أربعين ألف ملك يحفظونه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ، ولا يعمل حسنة إلاّ ضعفت له ، وكتب له كل يوم عبادة ألف رجل يعبدون الله عزّ وجلّ ألف سنة كل سنة ثلاثمائة وستون يوماً ، اليوم مثل عمر الدنيا ، فإذا صاروا بحضرة عدوّهم انقطع علم أهل الدنيا عن ثواب الله إياهم ، فإذا برزوا لعدوّهم وأشرعت الأسنّة وفوّقت السهام وتقدم الرجل إلى الرجل حفّتهم الملائكة بأجنحتها ويدعون الله لهم بالنصرة والتثبت ، ونادى مناد : الجنة تحت ظلال السيوف ، فتكون الضربة والطعنة على الشهيد أهون من شرب الماء البارد في اليوم الصائف ، وإذا زال الشهيد عن فرسه بطعنة أو ضربة لم يصل إلى الأرض حتى يبعث الله تعالى إليه زوجته من الحور العين فتبشره بما أعد الله له من الكرامة ، وإذا وصل إلى الأرض تقول له الأرض : مرحباً بالروح الطيب التي أُخرجت من البدن الطيب أبشر فإن لك ما لا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .

ويقول الله تعالى : أنا خليفته في أهله ، من أرضاهم فقد أرضاني ومن أسخطهم فقد أسخطني ، ويجعل الله روحه في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث تشاء تأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة بالعرش ، ويعطى الرجل منهم سبعين غرفة من غرف الفردوس ، سلوك كل غرفة ما بين صنعاء والشام يملأ نورها ما بين الخافقين ، في كل غرفة سبعون باباً ، على كل باب سبعون مصراعاً من ذهب ، وعلى كل باب سبعون غرفة مسبلة ، وفي كل غرفة سبعون خيمة ، في كل خيمة سبعون سريراً من ذهب قوائمها الدر والزبرجد ، مزمولة بقضبان الزمرد ، على كل سرير أربعون فراشاً ، غلظ كل فراش أربعون ذراعاً ، على كل فراش زوجة من الحور العين { عُرُباً أَتْرَاباً } [ الواقعة : 37 ] " " .

فقال الشاب : يا أمير المؤمنين أخبرني عن العروبة ؟ قال : " هي الغنجة الرضية المرضية الشهية ، لها ألف وصيف وسبعون ألف وصيفة ، صفر الحلي بيض الوجوه ، عليهن تيجان اللؤلؤ ، على رقابهم المناديل ، بأيديهم الأكواب والأباريق ، وإذا كان يوم القيامة يخرج من قبره شاهراً سيفه تشخب أوداجه دماً ، اللون لون الدم والرائحة رائحة المسك ، يخطو في عرصة القيامة . فوالذي نفسي بيده لو كان الأنبياء على طريقهم لترجّلوا لهم ، ممّا يرون من بهائهم ، حتى يأتوا إلى موائد من الجواهر فيقعدون عليها ، ويشفع الرجل منهم في سبعين ألف من أهل بيته وجيرته ، حتى أن الجارين يتخاصمان أيهما أقرب جواراً فيقعدون معي ومع إبراهيم على مائدة الخلد ، فينظرون إلى الله في كل يوم بكرة وعشية " .

وروى مكحول عن كثير بن مرة عن قيس الجذامي : رجل كانت له صحبة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " يُعطى الشهيد ست خصال عند أول قطرة من دمه : يكفّر عنه كل خطيئة ، ويرى مقعده من الجنة ، ويزوَّج من الحور العين ، ويؤمن الفزع الأكبر وعذاب القبر ، ويحلّى بحلية الإيمان " .

ثابت بن أسلم البناني عن أنس بن مالك قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته فأتاه رجل أسود فقال : يا رسول الله إني أسود قبيح الوجه منتن الريح لا مال لي ، فإن قاتلت هؤلاء حتى أُقتل فأين أنا ؟ قال : " في الجنة " قال : فحمل عليهم فقاتل حتى قُتل ، قال : فجاء رسول الله ( عليه السلام ) حتى وقف على رأسه فقال : " لقد بيّض الله وجهك وطيّب ريحك وأكثر مالك " ثم قال : " لقد رأيت زوجتيه من الحور العين في الجنة تنازعانه جبة له من صوف ، ليدخلا بينه وبين جبته " " .

أبو صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما يجد الشهيد من القتل في سبيل الله إلاّ كما يجد أحدكم مسَّ القرصة " .

وفي غير هذا الحديث : " عضة نملة أشد على الشهيد من مس السلاح " .

وعن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن لله عباداً يصونهم عن القتل والزلازل والأسقام ، يطيل أعمارهم في حسن العمل ، ويحسن أرزاقهم ويُحييهم في عافية ويقبض أرواحهم في عافية على الفرش ، ويعطيهم منازل الشهداء " .