التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{لَهُمۡ فِيهَا فَٰكِهَةٞ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ} (57)

الفاكهة : ما يؤكل للتلذذ لا للشبع كالثمار والنقول وإنما خصت بالذكر لأنها عزيزة النوال للناس في الدنيا ولأنها استجلبها ذكر الاتكاء لأن شأن المتكئين أن يشتغلوا بتناول الفواكه .

ثم عَمم ما أعد لهم بقوله : { ولهم ما يدَّعُونَ } و { يَدَّعُونَ } يجوز أن يكون متصرفاً من الدعاء أو من الادعاء ، أي ما يَدْعون إليه أو ما يدَّعون في أنفسهم أنه لهم بإلهام إلهي . وصيغ له وزن الافتعال للمبالغة ، فوزن { يَدَّعُونَ } يفتعلون . أصله يدتَعيُون نقلت حركة الياء إلى العين طلباً للتخفيف لأن الضم على الياء ثقيل بعد حذف حركة العين فبقيت الياء ساكنة وبعدها واو الجماعة لأنه مفيد معنَى الإِسنادِ إلى الجمع .

وهذا الافتعال لك أن تجعله من ( دعا ) ، والافتعال هنا يجعل فعل ( دعا ) قاصراً فينبغي تعليق مجرور به . والتقدير : ما يدعون لأنفسهم ، كقول لبيد :

فاشتوى ليلة ريح واجتمل{[343]}

اشتوى إذا شوى لنفسه واجتمل إذا جمل لنفسه ، أي جمع الجميل وهو الشحم المذاب وهو الإِهالة .

وإن جعلته من الادعاء فمعناه : أنهم يدعون ذلك حقاً لهم ، أي تتحدث أنفسهم بذلك فيؤول إلى معنى : ويتمنون في أنفسهم دون احتياج إلى أن يسألوا بالقول فلذلك قيل معنى { يَدَّعُونَ } يتمنون . يقال : ادع عليّ ما شئت ، أي تمنّ عليّ ، وفلان في خير ما ادّعى ، أي في خير ما يتمنى ، ومنه قوله تعالى : { ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون } في سورة فصِّلت ( 31 ) .


[343]:- قبله: وغلام أرسلته أمه بألوك فبذلنا ما سأل أرسلته فأتاه رزقه .....................إلخ