التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{فَتَوَلَّىٰ بِرُكۡنِهِۦ وَقَالَ سَٰحِرٌ أَوۡ مَجۡنُونٞ} (39)

والتولي حقيقته : الانصراف عن المكان . والركن حقيقته : ما يعتمد عليه من بناء ونحوه ، ويسمى الجسدُ ركناً لأنه عماد عمل الإِنسان .

قوله : { فتولى بركنه } تمثيل لهيئة رفضه دعوة موسى بهيئة المنصرف عن شخص . وبإيرادِ قوله : { بركنه } تَمَّ التمثيل ولولاه لكان قوله : { تولى } مجرد استعارة .

والباء للملابسة ، أي ملابساً ركنه كما في قوله : { أعرض ونأى بجانبه } [ الإسراء : 83 ] .

والمليم : الذي يجعل غيره لائماً عليه ، أي وهو مذنب ذنباً يلومه الله عليه ، أي يؤاخذه به . والمعنى : أنه مستوجب العقاب كما قال : { فلا تلوموني ولوموا أنفسكم } [ إبراهيم : 22 ] .

والمعنى : أن في قصة موسى وفرعون آيةً للذين يخافون العذاب الأليم فيجتنبون مثل أسباب ما حل بفرعون وقومه من العذاب وهي الأسباب التي ظهرت في مكابرة فرعون عن تصديق الرسول الذي أرسل إليه ، وأن الذين لا يخافون العذاب لا يؤمنون بالبعث والجزاء لا يتعظون بذلك لأنهم لا يصدقون بالنواميس الإِلهية ولا يتدبرون في دعوة أهل الحق فهم لا يزالون مُعرضين ساخرين عن دعوة رسولهم متكبرين عليه ، مُكابرين في دلائل صدقه ، فيوشك أن يحل بهم من مثل ما حلّ بفرعون وقومه ، لأن ما جاز على المثل يجوز على المماثل ، وقد كان المسلمون يقولون : إن أبا جهل فِرعون هذه الأمة .