فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَتَوَلَّىٰ بِرُكۡنِهِۦ وَقَالَ سَٰحِرٌ أَوۡ مَجۡنُونٞ} (39)

{ فتولى بركنه } التولي الإعراض ، والركن الجانب ، قاله الأخفش والمعنى أعرض عن الإيمان بجانبه أي مع جنوده لأنهم له كالركن كما في قوله ؛ { أعرض ونأى بجانبه } . قال الجوهري : ركن الشيء جانبه الأقوى ، ويأوي إلى ركن شديد أي عز ومنعة ، وقال ابن عباس : بركنه بقومه ، وقال ابن زيد ومجاهد وغيرهما : الركن جمعه وجنوده الذين كان يتقوى بهم ، ومنه قوله تعالى : { أو آوي إلى ركن شديد } ، أي عشيرة ومنعة ، وقيل ؛ الركن نفس القوة ، وبه قال قتادة وغيره .

{ وقال } فرعون في حق موسى { ساحر أو مجنون } فردد فيما رآه من أحوال موسى بين كونه ساحرا أو مجنونا ف ( أو ) هنا على بابها من الإبهام على السامع ، أو للشك ، نزل نفسه منزلة الشك في أمره ، تمويها على قومه ، وهذا من اللعين مغالطة وإيهام لقومه ، فإنه يعلم أن ما رآه من الخوارق لا يتيسر على يد ساحر ولا يفعله من به جنون ، وقال أبو عبيدة : إن أو بمعنى الواو ، لأنه قد قال ذلك جميعا ولم يتردد ، وبه قال المؤرج كقوله : { ولا تطع منهم آثما أو كفورا } ، قال تعالى : { إن هذا لساحر عليم } وقال في موضع آخر : { إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون } . وتجيء أو بمعنى الواو ورد الناس عليه وقالوا لا ضرورة تدعو إلى ذلك ؛ وأما الآيتان فلا تدلان على أنه قالهما معا وإنما يفيدان أنه قالهما أعم من أن يكونا معا ، أو هذه في وقت وهذه في وقت آخر ذكره السمين .