اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَتَوَلَّىٰ بِرُكۡنِهِۦ وَقَالَ سَٰحِرٌ أَوۡ مَجۡنُونٞ} (39)

قوله : «فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ » الجار والمجرور حال من فاعل «تَوَلَّى »{[52915]} ومعنى «تَوَلَّى » أَدْبَرَ عن الإيمان{[52916]} . والباء للمصاحبة . والمراد بالركن أي بجمعِهِ وجنوده الذين كان يَتَقَوَّى بهم كالرُّكْن الذي يَتَقَوَّى به البُنْيَان ، كقوله تعالى : { أَوْ آوي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ } [ هود : 80 ] .

وقيل : الباء للتعدية فتكون بمعنى تقوى بجنده{[52917]} . ويحتمل أن يكون المراد تَوَلَّى أمْر موسى بقُوَّتِهِ ، كأنه قال : أقتل موسى لئَلاَّ يُبَدّلَ دينكم ، فتولى أمره بنفسه ، فيكون المفعول غير مذكور وركنه هو نفسه القوية . ويحتمل أن يكون المراد بركنه هامان فإنه كان وزيره{[52918]} .

قوله : { سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } «أو » هنا على بابها من الإبهام على السامع أو للشكّ نَزَّل نفسه مع أنه يعرفه بَيِّناً حقاً منزلة الشاكّ في أمره تمويهاً على قومه . وقال أبو عبيدة{[52919]} : «أو » بمعنى الواو ، قال : لأنه قد قالهما{[52920]} ، قال تعالى : { إِنَّ هذا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ } [ الأعراف : 109 ] ، وقال تعالى في موضع آخر : { إِنَّ رَسُولَكُمُ الذي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ }{[52921]} [ الشعراء : 27 ] ، وتجيء «أو » بمعنى الواو ، كقوله :

أَثَعْلبَةَ الفَوَارِسِ أَوْ رِيَاحاً *** عَدَلْتَ بِهِمْ طُهَيَّةَ والخِشَابَا{[52922]}

ورد الناس عليه{[52923]} هذا وقالوا : لا ضرورة تدعو إلى ذلك . وأما الآيتان فلا يدلاَّن على أنه قالهما معاً ، وإنما يفيد أنه قالهما أعم{[52924]} من أن يكونا معاً أو هذه في وقت وهذه في آخَرَ{[52925]} .


[52915]:قاله العكبري في المرجع السابق.
[52916]:هذا قول البغوي والخازن في تفسيريهما 6/245. وقد قال بذلك كل المفسرين أيضا وانظر: القرطبي 17/49.
[52917]:أي اتخذ وليا.
[52918]:قال بهذه المعاني والاحتمالات الإمام الفخر 28/220.
[52919]:وهو قول أبي حيان في البحر 8/140.
[52920]:في المجاز: لأنهم قد قالوهما جميعا له. وانظر: المجاز 1/227.
[52921]:أقول: ونفس رأي أبي عبيدة هو رأي الفراء والمؤرّخ انظر: القرطبي 17/50.
[52922]:من الوافر لجرير، وطهية كسُميّة حيّ من تميم نسبوا إلى أمهم والخِشاب من تميم أيضا وثعلبة ورياح من يربوع. والمعنى يحتم أن "أو" بمعنى الواو". وقد تقدم.
[52923]:أي على أبي عبيدة ومن حذا حذوه.
[52924]:كذا في أ وفي ب أهم بالهاء.
[52925]:بالمعنى من البحر 8/140.