المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَمَا ٱسۡطَٰعُوٓاْ أَن يَظۡهَرُوهُ وَمَا ٱسۡتَطَٰعُواْ لَهُۥ نَقۡبٗا} (97)

والضمير في قوله { استطاعوا } ل { يأجوج ومأجوج } [ الكهف : 94 ] ، وقرأت فرقة » فما اسْطاعوا «بسكون السين وتخفيف الطاء ، وقرأت فرقة بشد الطاء ، وفيها تكلف الجمع بين ساكنين و { يظهروه } معناه : يعلونه بصعود فيه ، ومنه في الموطأ : والشمس في حجرتها قبل أن تظهر{[7902]} ، { وما اسطاعوا له نقباً } لبعد عرضه وقوته ولا سبيل سوى هذين إما ارتقاء وإما نقب ، وروي أن في طوله ما بين طرفي الجبلين مائة فرسخ ، وفي عرضه خمسين فرسخاً ، وروي غير هذا مما لا ثبوت له ، فاختصرناه ، إذ لا غاية للتخرص ، وقوله في هذه الآية { انفخوا } يريد بالأكيار ، وقوله { اسطاعوا } بتخفيف الطاء ، على قراءة الجمهور قيل هي لغة بمعنى استطاعوا وقيل بل استطاعوا بعينه ، كثر في كلام العرب حتى حذف بعضهم منه التاء ، فقالوا : { اسطاعوا } ، وحذف بعضهم منه الطاء فقال : » استاع «يستيع بمعنى استطاع يستطيع ، وهي لغة مشهورة وقرأ حمزة وحده » فما اسطّاعوا «بتشديد الطاء وهي قراءة ضعيفة الوجه ، قال أبو علي : هي غير جائزة ، وقرأ الأعمش : » فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا «بالتاء في الموضعين .


[7902]:أخرجه البخاري في المواقيت، ومسلم في المساجد، وأبو داود في الصلاة وكذلك الترمذي، والنسائي في المواقيت، والدارمي في الصلاة، وهو كذلك في الموطأ في الصلاة، وهو في البخاري حديث طويل، ذكر فيه أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أخر الصلاة يوما فدخل عليه ابن مسعود فقال: ما هذا يامغيرة...... ثم قال عروة في آخر الحديث: ولقد حدثتني عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَمَا ٱسۡطَٰعُوٓاْ أَن يَظۡهَرُوهُ وَمَا ٱسۡتَطَٰعُواْ لَهُۥ نَقۡبٗا} (97)

ضمير { اسْطَاعُوَا } و { اسَتَطَاعُوا } ليأجوج ومأجوج .

والظهور : العلو . والنقب : كسر الرّدم ، وعدم استطاعتهم ذلك لارتفاعه وصلابته .

و { اسْطَاعُوَا } تخفيف { اسَتَطَاعُوا } ، والجمع بينهما تفنن في فصاحة الكلام كراهية إعادة الكلمة . وابتدىء بالأخف منهما لأنه وليه الهمز وهو حرف ثقيل لكونه من الحلق ، بخلاف الثاني إذ وليه اللام وهو خفيف .

ومقتضى الظاهر أن يُبتدأ بفعل { اسَتَطَاعُوا } ويثني بفعل { اسْطَاعُوَا } لأنه يثقل بالتكرير ، كما وقع في قوله آنفاً { سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً } [ الكهف : 78 ] ثم قوله : { ذلك تأويل ما لم تَسْطِع عليه صبراً } [ الكهف : 82 ] .

ومن خصائص مخالفة مقتضى الظاهر هنا إيثار فعل ذي زيادة في المبنى بموقع فيه زيادة المعنى لأن استطاعة نقب السد أقوى من استطاعة تسلقه ، فهذا من مواضع دلالة زيادة المبنى على زيادة في المعنى .

وقرأ حمزة وحده { فَما اسْطَّاعوا الأول بتشديد الطاء مدغماً فيها التاء .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَمَا ٱسۡطَٰعُوٓاْ أَن يَظۡهَرُوهُ وَمَا ٱسۡتَطَٰعُواْ لَهُۥ نَقۡبٗا} (97)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

يقول الله عز وجل: {فما استطاعوا}، يعني: فما قدروا،

{أن يظهروه}، على أن يعلوه من فوقه، مثل قوله في الزخرف: {معارج عليها يظهرون} [الزخرف:33]، يعنى يرقون.

{وما استطاعوا}، يعني: وما قدروا، {له نقبا}...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"فَمَا اسْطاعُوا أنْ يَظْهَرُوهُ" يقول عزّ ذكره: فما اسطاع يأجوج ومأجوج أن يَعلُوا الردم الذي جعله ذو القرنين حاجزا بينهم، وبين من دونهم من الناس، فيصيروا فوقه وينزلوا منه إلى الناس.

يقال منه: ظهر فلان فوق البيت: إذا علاه، ومنه قول الناس: ظهر فلان على فلان: إذا قهره وعلاه.

"وَما اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْبا "يقول: ولم يستطيعوا أن ينقبوه من أسفله...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{فَمَا اسطاعوا أَن يَظْهَرُوهُ...} أي يعلوه، أي: لا حيلة لهم فيه من صعود لارتفاعه وانملاسه، ولا نقب لصلابته وثخانته.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

ولَمّا كان الظُّهورُ عليه أَسْهَلَ مِن نَقْبِه قابَلَ كلّاً بما يُناسِبه فقال: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً} وهذا دليلٌ على أنهم لم يَقْدِروا على نَقْبِه، ولا على شيءٍ منه...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ثم قال الله تعالى: {فما} أي فتسبب عن ذلك أنه لما أكمل عمله وأحكمه ما {اسطاعوا} أي يأجوج ومأجوج وغيرهم {أن يظهروه} أي يعلو ظهره لعلوه وملاسته {وما استطاعوا له نقباً} لثخنه وصلابته، وزيادة التاء هنا تدل على أن العلو عليه أصعب من نقبه لارتفاعه وصلابته والتحام بعضه ببعض حتى صار سبيكة واحدة من حديد ونحاس في علو الجبل، وقد حكى ابن خرداذبه عن سلام الترجمان الذي أرسله أمير المؤمنين الواثق إليه حتى رآه أن ارتفاعه مد البصر، ولأنهم لو احتالوا ببناء درج من جانبهم أو وضع تراب حتى ظهروا عليه لم ينفعهم ذلك لأنه لا حيلة لهم على النزول من الجانب الآخر، ويؤيده أنهم إنما يخرجون في آخر الزمان بنقبه لا بظهوره، ولا ينافي نفي الاستطاعة لنقبه ما رواه الإمام أحمد والترمذي في التفسير وابن ماجه في الفتن عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:"إن يأجوج ومأجوج ليحفرن السد كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غداً، فيعودون إليه كأشد ما كان حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه غداً إن شاء الله فيستثنى فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس" -الحديث. وفي حديث الصحيحين عن زينب بنت جحش رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا، وحلق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم "وروياه عن أبي هريرة رضي الله عنه وفيه: "مثل هذا وعقد تسعين".