إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَمَا ٱسۡطَٰعُوٓاْ أَن يَظۡهَرُوهُ وَمَا ٱسۡتَطَٰعُواْ لَهُۥ نَقۡبٗا} (97)

{ فَمَا اسطاعوا } بحذف تاء الافتعال تخفيفاً وحذَراً عن تلاقي المتقارِبَين ، وقرئ بالإدغام وفيه جمعٌ بين الساكنين على غير حِدَة ، وقرئ بقلب السين صاداً ، والفاء فصيحةٌ أي فعلوا ما أُمروا به من إيتاء القِطْر أو الإتيانِ ، فأفرغَه عليه ، فاختلط والتصق بعضُه ببعض ، فصار جبلاً صَلْداً ، فجاء يأجوجُ ومأجوجُ ، فقصدوا أن يعلُوه و ينقُبوه فما استطاعوا { أَن يَظْهَرُوهُ } أي يعلوه ويرقَوا فيه لارتفاعه وملاسته { وَمَا استطاعوا لَهُ نَقْبًا } لصلابته وثخانتِه ، وهذه معجزةٌ عظيمةٌ لأن تلك الزُبَرَ الكثيرةَ إذا أثرت فيها حرارةُ النار لا يقدر الحيوانُ على أن يحوم حولها فضلاً عن النفخ فيها إلى أن تكون كالنار ، أو عن إفراغ القِطر عليها فكأنه سبحانه وتعالى صرف تأثيرَ الحرارةِ العظيمة عن أبدان أولئك المباشرين للأعمال فكان ما كان والله على كل شيء قدير . وقيل : بناه من الصخور مرتبطاً بعضُها ببعض بكلاليب من حديد ونحاسٍ مُذاب في تجاويفها بحيث لم يبق هناك فُرجةٌ أصلاً .