المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوۡنُهَاۚ قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ صَفۡرَآءُ فَاقِعٞ لَّوۡنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّـٰظِرِينَ} (69)

قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ( 69 )

و { ما } رفع بالابتداء ، و { لونها } خبره ، وقال ابن زيد وجمهور الناس في قوله { صفراء } ، إنها كانت كلها صفراء ، قال مكي رحمه الله عن بعضهم : حتى القرن والظلف ، وقال الحسن بن أبي الحسن وسعيد بن جبير : كانت صفراء القرن والظلف فقط ، وقال الحسن أيضاً : { صفراء } معناه سوداء ، وهذا شاذ لا يستعمل مجازاً إلا في الإبل( {[774]} ) ، وبه فسر قول الأعشى ميمون بن قيس : [ الخفيف ]

تلك خيلي منه وتلك ركابي . . . هنَّ صفرٌ أولادُها كالزبيب( {[775]} )

والفقوع : نعت مختص بالصفرة ، كما خص أحمر بقانىء ، وأسود بحالك ، وأبيض بناصع ، وأخضر بناضر ، و { لونها } فاعل ب { فاقع } .

و { تسر الناظرين } قال وهب بن منبه : كانت كأن شعاع الشمس يخرج من جلدها ، فمعناه تعجب الناظرين ، ولهذا قال ابن عباس وغيره : الصفرة تسر النفس ، وحض ابن عباس على لباس النعال الصفر( {[776]} ) ، حكاه عنه النقاش ، وحكي نهي ابن الزبير ويحيى بن أبي كثير عن لباس النعال السود ، لأنها تهمّ( {[777]} ) ، وقال أبو العالية والسدي : { تسر الناظرين } معناه في سمنها ومنظرها كله .


[774]:- اعلم أن الشاذ في الاصطلاح ثلاثة أقسام- ما شذ في القياس دون الاستعمال، فهذا قوي في نفسه يصح الاستدلال به، والثاني ما شذ في الاستعمال دون القياس، فهذا لا يستدل به، لأنه كالمفروض، والثالث ما شذ فيهما معا، فهذا لا يعول عليه لفقد أصليه. وهذا هو المراد بقول ابن عطية رحمه الله: (شاذ لا يستعمل مجازا) الخ. وقال ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: الصفراء بمعنى السوداء غلط في نعوت البقر، وإنما يقال ذلك في، نعوت الإبل، وإنما كان هذا التفسير شاذا غلطا للتأكيد بالفقوع، وذلك نعت مختص بالصفرة، ولو أريد السواد لما أكده بذلك- وأيضا كيف يصدق على اللون الأسود الذي هو أقبح الألوان أنه (يسر الناظرين)؟
[775]:- الضمير في (منه) يعود على الممدوح وهو أبو الأشعت قيس بن قيس الكندي، والركاب: الإبل والواحدة: راحلة ولا واحد لها من لفظها. وقوله كالزبيب أي سود، ومن ذلك قوله تعالى (جمالت صفر) أي سود- وقوله (هن) أي الركاب. ومن الطريف أن صاحب الكشف قال أن تفسير (صفر) بسود في بيت الأعشى غير ظاهر، إذ الزبيب الغالب عند العرب هو الطائفي، وهو إلى الصفرة أقرب منه إلى الحمرة.
[776]:- وعنه: "من ليس نعلا صفراء لم يزل في سرور ما دام لابسها"، وذلك قوله تعالى: (تسر الناظرين).
[777]:- يقال: هم الأمر فلانا وأهمه أقلقه وأحزنه.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوۡنُهَاۚ قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ صَفۡرَآءُ فَاقِعٞ لَّوۡنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّـٰظِرِينَ} (69)

سألوا ب { ما } عن ماهية اللون وجنسه لأنه ثاني شيء تتعلق به أغراض الراغبين في الحيوان . والقول في جزم : { يبين } وفي تأكيد { إنه يقول إنها بقرة } كالقول في الذي تقدم .

وقوله : { صفراء فاقع لونها } احتيج إلى تأكيد الصفرة بالفقوع وهو شدة الصفرة لأن صفرة البقر تقرب من الحمرة غالباً فأكده بفاقع والفقوع خاص بالصفرة ، كما اختص الأحمر بقان والأسود بحالك ، والأبيض بيقق ، والأخضر بمدهامّ ، والأورق بخطباني ( نسبة إلى الخطبان بضم الخاء وهو نبت كالهليون ) ، والأرمك وهو الذي لونه لون الرماد بُردَاني ( براء في أوله ) والردان الزعفران كذا في الطيبي ( ووقع في « الكشاف » و« الطيبي » بألف بعد الدال ووقع في « القاموس » أنه بوزن صاحب ) وضبط الراء في نسخة من « الكشاف » ونسخة من « حاشية القطب » عليه ونسخة من « حاشية الهمداني » عليه بشكل ضمة على الراء وهو مخالف لما في « القاموس » .

والنصوع يعم جميع الألوان ، وهوخلوص اللون من أن يخالطه لون آخر .

ولونها إما فاعل بفاقع أو مبتدأ مؤخر وإضافته لضمير البقرة دلت على أنه اللون الأصفر فكان وصفه بفاقع وصفاً حقيقياً ولكن عدل عن أن يقال صفراء فاقعة إلى { صفراء فاقع لونها } ليحصل وصفها بالفقوع مرتين إذ وُصف اللون بالفقوع ، ثم لما كان اللون مضافاً لضمير الصفراء كان ما يجري عليه من الأوصاف جارياً على سببيه ( على نحو ما قاله صاحب « المفتاح » في كون المسند فعلاً من أن الفعل يستند إلى الضمير ابتداء ثم بواسطة عود ذلك الضمير إلى المبتدأ يستند إلى المبتدأ في الدرجة الثانية ) وقد ظن الطيبي في « شرح الكشاف » أن كلام صاحب « الكشاف » مشير إلى أن إسناد { فاقع } للونها مجاز عقلي وهو وهم إذ ليس من المجاز العقلي في شيء . وأما تمثيل صاحب « الكشاف » بقوله جد جده فهو تنظير في مجرد إفادة التأكيد .

وقوله : { تسر الناظرين } أي تُدخل رؤيتها عليهم مسرة في نفوسهم ، والمسرة لذة نفسية تنشأ عن الإحساس بالملائم أو عن اعتقاد حصوله ومما يوجبها التعجب من الشيء والإعجاب به . وهذا اللون من أحسن ألوان البقر فلذلك أسند فعل { تسر } إلى ضمير البقرة لا إلى ضمير اللون فلا يقتضي أن لون الأصفر مما يسر الناظرين مطلقاً . والتعبير بالناظرين دون الناس ونحوه للإشارة إلى أن المسرة تدخل عليهم عند النظر إليها من باب استفادة التعليل من التعليق بالمشتق .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوۡنُهَاۚ قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ صَفۡرَآءُ فَاقِعٞ لَّوۡنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّـٰظِرِينَ} (69)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

فانطلقوا ثم رجعوا إلى موسى.

{قالوا ادع لنا ربك}، أي سل ربك.

{يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها}، يعني صافية اللون نقية، {تسر}، يعني تعجب {الناظرين}، يعني من رآها، فشددوا على أنفسهم، فشدد الله عليهم.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قال قوم موسى لموسى:"ادْعُ لَنا رَبّكَ يُبَيّنُ لَنا ما لَوْنُها": أي لون البقرة التي أمرتنا بذبحها. وهذا أيضا تعنّت آخر منهم بعد الأول، وتكلّف طلب ما قد كانوا كفوه في المرة الثانية والمسألة الاَخرة، وذلك أنهم لم يكونوا حصروا في المرة الثانية، إذ قيل لهم بعد مسألتهم عن حلية البقرة التي كانوا أمروا بذبحها فأبوا إلا تكلف ما قد كفوه من المسألة عن صفتها،فحصروا على نوع دون سائر الأنواع عقوبة من الله لهم على مسألتهم التي سألوها نبيهم صلى الله عليه وسلم تعنتا منهم له، ثم لم يحصرهم على لون منها دون لون، فأبوا إلا تكلف ما كانوا عن تكلفه أغنياء، فقالوا تعنتا منهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم كما ذكر ابن عباس: "ادْعُ لَنَا رَبّكَ يُبَيّنُ لَنا ما لَوْنُها"،فقيل لهم عقوبة لهم: "إنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُها تَسُرّ النّاظِرِينَ"، فحُصِروا على لون منها دون لون، ومعنى ذلك أن البقرة التي أمرتكم بذبحها صفراء فاقع لونها...

{فَاقِعٌ لَوْنُهَا: يعني خالص لونها. و "الفقوع "في الصفر، نظير النصوع في البياض، وهو شدته وصفاؤه...

"تَسُرّ النّاظِرِينَ": تعجب هذه البقرة في حسن خلقها ومنظرها وهيئتها الناظر إليها.

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

الفاقع الشديد الصفرة في صفاء بحيث لا يخالطه لون آخر، وبعض أهل اللغة لا يخصه بالأصفر بل يجعله وصفا لكل لون صاف.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وهكذا ضيقوا على أنفسهم دائرة الاختيار -وكانوا من الأمر في سعة- فأصبحوا مكلفين أن يبحثوا لا عن بقرة.. مجرد بقرة.. بل عن بقرة متوسطة السن، لا عجوز ولا صغيرة، وهي بعد هذا صفراء فاقع لونها؛ وهي بعد هذا وذلك ليست هزيلة ولا شوهاء: (تسر الناظرين).. وسرور الناظرين لا يتم إلا أن تقع أبصارهم على فراهة وحيوية ونشاط والتماع في تلك البقرة المطلوبة؛ فهذا هو الشائع في طباع الناس: أن يعجبوا بالحيوية والاستواء ويسروا، وأن ينفروا من الهزال والتشويه ويشمئزوا.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والمسرة لذة نفسية تنشأ عن الإحساس بالملائم أو عن اعتقاد حصوله ومما يوجبها التعجب من الشيء والإعجاب به. وهذا اللون من أحسن ألوان البقر، فلذلك أسند فعل {تسر} إلى ضمير البقرة لا إلى ضمير اللون، فلا يقتضي أن لون الأصفر مما يسر الناظرين مطلقاً. والتعبير بالناظرين دون الناس ونحوه للإشارة إلى أن المسرة تدخل عليهم عند النظر إليها.