إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوۡنُهَاۚ قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ صَفۡرَآءُ فَاقِعٞ لَّوۡنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّـٰظِرِينَ} (69)

وقوله تعالى : { قَالُواْ } استئنافٌ كما مر كأنه قيل : ماذا صنعوا بعد هذا البيان الشافي والأمرِ المكرَّرِ ؟ فقيل : قالوا : { ادع لَنَا رَبَّكَ يُبَيّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا } حتى يتبين لنا البقرةُ المأمور بها { قَالَ } أي موسى عليه السلام بعد المناجاةِ إلى الله تعالى ومجيءِ البيان { إنَّهُ } تعالى { يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لوْنُهَا } إسنادُ البيان في كل مرةٍ إلى الله عز وجل لإظهار كمالِ المساعدةِ في إجابة مسؤولهم بقولهم ( يبينْ لنا ) وصيغةُ الاستقبال لاستحضارِ الصورة ، والفُقوعُ نصوعُ الصُّفرةِ وخلوصُها ، ولذلك يؤكَّد به ويقال : أصفرُ فاقعٌ كما يقال : أسودُ حالكٌ وأحمرُ قانئ ، وفي إسناده إلى اللون مع كونِه من أحوال المُلوَّنِ لملابسته به ما لا يخفى من فضل تأكيدٍ كأنه قيل : صفراءُ شديدُ الصُفرةِ صُفرتها كما في جَدّ جِدّه . وعن الحسن رضي الله عنه : سوداءُ شديدةُ السواد ، وبه فُسّر قوله تعالى : { جمالة صُفْرٌ } [ سورة المراسلات ، الآية 33 ] قيل : ولعل التعبير عن السواد بالصُّفرة لما أنها من مقدماته وإما لأن سَواد الإبل يعلوه صُفْرةٌ ويأباه وصفُها بقوله تعالى : { تَسُرُّ الناظرين } كما يأباه وصفُها بفقوع اللون . والسرورُ لذةٌ في القلب عند حصول نفعٍ أو توقُّعِه من السر ، عن علي رضي الله عنه : من لبِسَ نعلاً صفراءَ قل همُّه .